الوحدة 6-5-2023
قدّيسونا شهداؤنا الأبرار.. قناديل الكون وفوانيسه التي تنير دروب الوطن.. ترتقي أرواحكم الطّاهرة وتسمو لتعانق مجد الكون، فتخجل منكم الشّمس وتأفل لكم النّجوم، ورعاً وتُقىً.
معكم تتغيّر أبجدية الحياة والموت، بعد أن سطّرتم بعظيم تضحياتكم أبجديةً جديدةً للحياة، مفرداتها تبعث الرّوح في الأرض والإنسان.. وألِفُ بائها تخلّدكم منارةً تشعّ ببطولاتها لتلامس سقف العالم وسماءه..
لئن طافت أرواحكم وحلّقت فإنّ ذكركم النّقيّ ووصاياكم المعتّقة بالصّبر والبطولة والثبات ماتزال موصولةً بحبل سُرّة الأيام، حاضرةً كأنّما سُبكت من قداسة أجسادكم وعُتّقت من رياحين التضحية والفداء، فغدت نوراً على نور.
كلّ ذرّة ثَرى عانقت نجيعكم الطّاهر وتخضّبت به واكتست بالأرجوان، ففاح عبق طيْبها بخّوراً ومسكاً..
ناداكم القدر.. حملتم أرواحكم على أكفّكم.. فهابكم الموت وهُزِم، نلْتم منه ولم ينلْ منكم، فأمثالكم يُخلقون ويُبعثون لا يغادرون الحياة أبداً.. مُطأطئاً ينحني إجلالاً وإكباراً لعظيم مُلاقاتكم له.. بكم تحيا الأرض والإنسان والأكوان.
تُحاصرنا الأيّام وهي تلد البطل منكم تلوَ البطل..
يا مَن عِفتُم الأرض ومَن عليها، أمّاً وولداً ومالاً ومتاعاً.. وناجيتم الأعلى ففزتم بالجنّة، أيّما فوز عظيم! وهل يماثله فوزٌ؟ ففاح مسك دمائكم أرجاء السّماء والأرض وارتقت أرواحكم نجوماً تسكن الأفق وشفَق الخلود.
تشتاقكم أمّهاتكم ونساؤكم وأطفالكم وأهل دياركم، وكروم العنب والتفاح، وبيادر القمح، وأشجار التّين والزّيتون.. تفتقدكم جلسات الأنس والسّمر.. هناك فوق جفن عاشقةٍ طال انتظار مآقيها المعلّقة على دروب القمر، تناجي السماء ليردّ رجع الصدى خاوياً إلا من صوت حبيبٍ عانق بروحه وجنتيها فأطالت الغفران والرّحمة والسّلام.
جراحكم النّازفة لازالت تقطر أريجاً في الأرجاء، أصواتكم الحقّة تعانق فضاء الكون فتزهو شموخاً وعزّاً وفخاراً، أبصاركم شاخصةٌ عالقةٌ على أكتاف المستحيل، أياديكم قابضةٌ على زناد السّحاب.. نغفو نحن، وأنتم تحرسون الأوطان وأرواحكم الطّاهرة تظلّل الأفنان.. هناك على مذبح الوطن تقدّس محراب الشّهادة ونلْتم المنايا والمُنى..
اخلدوا إلى مهاجع الشّرفاء واهنأوا برؤى الخلود.. تبسّموا فأنتم الأعلون.. صناديد الأرض وجنادلها.. تحت نِعالكم سقط جبروت الطُّغاة، وفوق هاماتكم تكلّل جبين الشّمس بأكاليل الغار فغار منه الياسمين والجلنار..
المجد والخلود لذِكركم المؤبّد.. لكم نحني الهامات وبكم تشمخ الرّؤوس وبدمائكم الطّاهرة الزكيّة نرسم حدود الوطن، وإليكم نهتدي ونسير.. تقدّس عيدكم وتعظّم اسمكم شهداؤنا الأبرار.
ريم جبيلي