المســـــــــــرح أبو الفنــــون

العدد: 9346

14-5-2019

المسرح أبو الفنون، ومن أهم أدوات التنوير العقلي كونه في تماس مباشر جمعي مع الناس، وقديماً قيل (أعطني مسرحاً، أعطك شعباً)، فهو أداة تسويق وتقديم المتعة والمعرفة والتعبير عن الحياة بكل تناقضاتها، وعن حركة الناس وحركة المجتمع، وفي الغالب يسيطر الفهم السياسي على مضامين أعماله، ووسيلة تساهم في تفتيح الوعي والارتقاء بالإنسان و ذائقته الفنية… مسرحية (بانتظار غودو) الأشهر في العالم التي كتبها كاتب العبث صموئيل بيكيت أثارت الكثير من التحاليل والجدل فقد كانت مسرحية اللامعنى واللامنطق في عالم يتظاهر بالمنطق وفي داخله فوضى مرعبة.
يهدف المسرح إلى قراءة الواقع الاجتماعي الراهن بما له وما عليه والتبصير بالحياة ومكوناتها واستجلاء ما خفي فيها، والبحث العميق في الداخل الإنساني المقسم بين خير وشر، ومحاربة القناعات التالفة التي صارت كحبة فاكهة متعفنة ستعمل على إفساد الجيد المتبقي، وخلق المتعة لدى المشاهد…
مسرحيات محمد الماغوط انفتحت على قضايا الإنسان ونجحت في تصوير الظواهر الاجتماعية المضطربة والنوازع النفسية الغامضة، مسرحيات محيرة تتمتع بروح السخرية والمرارة والنكتة الشعبية تستدرج المتفرج إلى لعبتها عبر الكلمة القوية الخارجة للتو من الحناجر الهادرة وسط غنائيات تتشبث بالأرض والوطن والخوف من المجهول المسرح في سورية هو الأقدم على مستوى الوطن العربي، ومنذ تأسيسه شكل وسيلة من وسائل مناهضة الاحتلال العثماني والاستعمار الفرنسي، وبداياته الأولى لم ترتبط بأبي خليل القباني فقط، بل تضرب جذورها عميقاً في التاريخ إلى ابتكار خيال الظل قبل ثمانية قرون، وقد كسر رائد المسرح السوري والعربي أبو خليل القباني الحواجز الاجتماعية البالية والفكرية السائدة قبل وبعد هجرته إلى مصر، وفي ستينيات القرن العشرين تأسس المسرح القومي الذي يشكل العمود الفقري للمسرح في سورية وأول عمل قدمه هو (بيرا لسا جورا) من إخراج رفيق الصبان وتأليف أرنيستوفانيس، وأول عمل لمؤلف عربي هو (المزيفون) لمحمود تيمور من إخراج نهاد قلعي، وفي أواسط السبعينيات تم تأسيس مهرجان دمشق للفنون المسرحية في عهد القائد المؤسس حافظ الأسد.
خشبة المسرح تمثل الفضاء المكاني للمسرح، والصالة تمثل الجمهور المتلقي الذي ينساق مع تفاصيل العمل في زمان ومكان محددين لتحقيق المتعة والفائدة، والكاتب المسرحي الدراما تورجي عليه أمانة إيصال روح العمل الأدبي إلى الجمهور عبر نص مكتوب بلغة حوارية شعراً كان أم نثراً وتحويله إلى نص مسرحي يملك قوة تعبيرية مرتبطة بالإنسان وهمومه والوطن وشؤونه وشجونه يجسد فيه الممثلون أدواراً على خشبة المسرح أمام الجمهور، وغالباً ما يأتي كتاب المسرح من خلفيات الأدب (شعر- قصة- رواية) وينتمون إلى مشارب متعددة في الكتابة، ومنهم من يعتمد على العمل المسرحي ذي الطابع الشعبي والنص الانتقادي الذي يعتمد على التلاعب بالألفاظ والحركات لإضحاك المشاهد، ويلعب المخرج دوراً كبيراً في نجاح العمل المسرحي من خلال المحافظة على النص الأدبي وفضاء العمل وإيقاعه الحيوي وسير الأحداث وخلق الحالة البصرية الممتعة للحدث المسرحي، ومن خلال أداء الفنانين الاحترافي المتقن وحضورهم المسرحي الجذاب وعمق إحساسهم بالشخصية والدور وتناغمهم مع باقي شركائهم على الخشبة… كان برناردشو يتمتع بأسلوب فريد من السخرية اللاذعة وكان شكله ووجهه الدميم عنصراً مهما في طرافته وظرافته ونجاحه. من سمات الفنان المسرحي الجيد أن يضع يده على دور يترك بصمة لدى الجماهير دون النظر إلى كَمٍّ الورق المكتوب، والفنان المسرحي يكمن نجاحه ونجاح العمل في الإدارة التي تحدوه لإتقان الدور الذي يجسده خيراً كان أم شراً، ويستطيع الممثل من خلال استنفار أدواته المسرحية والأداء بحرفية عالية والتغيير في نبرة الصوت وحركة اليدين والرجلين والإيماء والشاعرية والرموز الحية والشجن الموجود داخله أن يدفع العمل والفن المسرحي قدماً إلى الأمام.
يقول بعض النقاد: (إن كلّ من كتب في المسرح بعد شكسبير كان عالة عليه) واتسمت أعماله المسرحية بالمناداة بإصلاح القوانين الاجتماعية التي كانت سائدة في عصره، الكاتب الفرنسي الكبير ألبير كامو أبدع في وصف حياة كاليجولا الذي قال ذات يوم (سأحل أنا محل الطاعون)، والشاعر والكاتب المسرحي التقدمي الإسباني الكبير فدريكو غارسيا لوركا أبدع في السنتين الأخيرتين قبل مقتله عام 1936ثلاث مسرحيات (عرس الدم- ميرما- بيت برنادا ألبا) وأكثر ما يميزها سيطرة فكرة الموت والحب في تعارض وتداخل حميم يصعب فصله وكذلك قضية المرأة وصون الشرف الذي اقترنت باسمه الكثير من الجرائم، مسرحيات يطغى عليها الانفعال الشديد بالروح الشعبية الأندلسية في غناها وتنوعها، نتج عن انغراس لوركا العميق في حياة الشعب الإسباني بتقاليده الأليفة وأساطير قديسيه وأخبار أبطاله إلى جانب تأثره بتراث الشرق العربي بحكم نشأته في مدينة غرناطة علينا حل المشكلات التي يعاني منها المسرح للنهوض به خاصة أننا نملك الإمكانيات المسرحية من بنية تحتية ومؤهلات وأدوات وطاقات بشرية للارتقاء بالمسرح السوري والعربي لمواكبة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمواطن والوطن العربي.

نعمان إبراهيم حميشة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار