“سايكو” بين تعدد الوجوه وخباياها … مجموعة قصصية للزميل الإعلامي سنان سوادي

الوحدة: ١٩-٤-٢٠٢٣
أرض لا تستريح أبداً، تجدد حاضرها بين تعدد الوجوه وطواف أرواحها في مدارات من اللانهاية، لنكون نحن، نحن الذين نُلبِسُ الفصول تواقيتها، ونمتطي حقولاً من ريحٍ لا تهدأ، ضجيج اللهفة فيها زاد الزوبعة حين يُستفزّ السؤال بالسؤال.. تحملنا نهيم في فلك من ضبابية ووضوح للأقنعة حين يرتدينا كرنفال حياتي، يصدق حين يقضم بعضهم الأوسمة بينما يقتات البعض الآخر على الحسرة والحيرة التي تعاود السؤال بالسؤال…
“سايكو” يحمل كل تلك الملامح، يزيل ضبابيتها، يعيد صياغة أبجدياتها ويرسم أبعادها الحقيقية ليعيد لها هويتها الصادقة، “سايكو” إصدار أدبي راقٍ يتضمن مجموعة قصصية، تحمل شخوصها جلّ الأحلام وتشرع أبوابها للسؤال، توضح الرؤية لشخوصها كي تمتطي دروب النور المأمولة.
“سايكو” هو الإصدار الأدبي الأول للزميل “سنان سوادي ” صادر عن دار بعل للطباعة والنشر، يقع في 180صفحة من القطع المتوسط، تضم المجموعة عناوين متنوعة وعديدة، شخوصها القريبة جداً والبعيدة جداً، بلغاتها وإحساسها ورؤاها، تحمل القارئ وتغوص به إلى قلبه وعقله، فتحس بأنك في النهاية تحاور نفسك وروحك، بين كل هذه الحوارات الغنية وبين مؤلفها، كان لنا هذا الحوار :
ـ أين وكيف للشخوص المميزة في هذه المجموعة القصصية أن تجتمع وتلتقي عند قلمك؟
* شخصيات “سايكو” أوجدتها البيئة التي نشأت بها، وهي انعكاس لها، سماتها، متناقضة، سلبية،منفعلة، فقدت دهشتها وشغفها، وأنا أنتمي إلى هذه البيئة لذلك من الطبيعي أن تلتقي هذه الشخصيات ضمن مجموعة واحدة خطها قلمي، و قصص “سايكو” واقعية وسريالية، هي عالم من الأفكار، تجسد من خلال القصص.
– غلاف أيّ مطبوع هو هويته، ماذا أرادت وجوه الغلاف لهذه المجموعة أن تقول بدءاً؟
* بالبداية أتوجه بالشكر الجزيل للزميل الصحفي الفنان ثائر زيدان الذي أبدع صورة الغلاف، اخترنا أن يكون “سايكو” من الخشب كون الخشب يحترق و يهترئ، والوجوه ليست أقنعة،بل هي وجوه حقيقية،تعبر عن داخلنا المهمش،الخائف، التائه، السلبي…،فمن يكون خائفاً في موقف يكون مهرجاً في موقف آخر، وهذا لا يرتبط بطبيعة الموقف بقدر ما يرتبط بعوالمنا الداخلية، والمجسم يضع يد واحدة خلف ظهره أي أنه في حالة سلبية تامة وعجز، “فحنظلة” للرسام ناجي العلي كان يضع يديه الاثنتين خلف ظهره، وكان له موقف ورؤية مما يحدث، بينما شخصية “سايكو” فقدت بوصلتها ورؤيتها وموقفها الإنساني والأخلاقي مما يحدث.
– ما بين ( سايكو) العنوان، والإهداء الذي حمّلته للمجموعة القصصية، أين نحن؟ ومن نحن؟
* نحن كل ما ذكرت، نحن القابعين في عتمة الخوف والانتظار،الجالسين في انتظار غودو، الخارجين من معطف غوغول، نحن الذين شربنا من نهر الجنون حتى الثمالة، نحن السبب… و النتيجة،نحن “سايكو” سواء كنا ندري أو لا ندري، اعترفنا بذلك أم لم نعترف.
– عتيق وعميق شجن وألم تحمله شخوص هذه القصص, أين الحب والفرح الذي خُلِقَ الإنسان لأجلهما؟
* في بداية المجموعة وقبل أن ندخل عالم أو كهف أومعبد “سايكو” وضعت عبارة للكاتب السوري حنا مينه تقول “يجب أن نفرح وأن لا نهزم الإنسان فينا” والغرض منها التذكير بالفرح، كون شخصيات “سايكو” مليئة بالخوف، والعذاب، والنفاق، والشك ،والصراع الداخلي والخارجي.
ما أود قوله عن الفرح أنه ليس نتاج حالة نفسية فقط أو آليات تفكير معينة فقط، بل يرتبط إلى حد كبير بالعوامل الخارجية، فالفرح بالنسبة للجائع هو الرغيف، وللمظلوم هو العدل، وللخائف هو الأمان، وللمشرد هو المأوى، لذلك عندما يفقد الإنسان الكثير من حاجاته الأساسية يتحول الفرح إلى نوع من الترف، و الهرم الذي وضعه عالم الاجتماع ماسلو دليل على صحة ذلك.
– في القصة الأولى (اكتشفت الدواء) ص19، وعلى لسان بطل القصة :” إن المبادئ والأخلاق سيمفونية الفقير وأن المال تاج الرؤوس”. هل تغيّر الصراع الوجودي الأزلي للسلطة ورأسمالها وأشكال النفاق التي تلازمهم؟ وهل سيُكتب للإنسان أن يتحرر منهما؟
* لم يتغير جوهر الصراع، لكن تطورت أساليبه وتنوعت مع تطور أساليب السيطرة وتنوعها، لكن أخطر ما في هذه المرحلة أن هذا الصراع أصبح مبرراً،له منظريه، مثقفيه، فلاسفته، وعبارتهم الميكافيلية الشهيرة “الغاية تبرر الوسيلة” أصبحت على كل لسان، وهذا ما أشار إليه الكاتب ألبير كامو عندما قال ” لسنا ننشد عالماً لا يقُتل فيه أحد، بل عالماً لا يمكن فيه تبرير القتل”، وما تعجز عن فرضه القوة الناعمة (وسائل الإقناع، الإعلام، وسائل التواصل الاجتماعي…) يتم فرضه بالقوة العنفية من خلال (تدمير بلدان، محو ثقافات، إلغاء تراث شعوب…)، ليصبح الشعار الذي طرحته أمريكا من ليس معنا فهو ضدنا، البوصلة التي تدير السلطة، أما النفاق فهو نتيجة الخوف ولا أعتقد أن الإنسان قادر على التحرر منها إلا عندما يشعر أن السلطة له وليست سلطة عليه.
– في قصة ( الاستيقاظ) ص 35 تقول الأم:”الخوف مثل الوحش، ينهش أرواحنا…، التعود يا بنيّ يقتل الدهشة والشغف، التعود أفقدنا الشجاعة”. من يسلب الآخر منا؟ نُظُم الحياة ورتابتها، أم نظم التفكير والتعطيل؟
* الحياة مليئة بالدهشة بما يكفي لإبهارنا، ونظم التعطيل تعمل على إفقادنا هذه الدهشة، في كتابه سيكولوجيا الجماهير يقول عالم الاجتماع الفرنسي غوساف لوبون “الوعي فردي أما اللاوعي جمعي”، منذ أن وجدت المجتمعات البشرية ونظم التعطيل تعمل للقضاء على هذا الوعي الفردي الذي أحدث ثورات فكرية ومعرفية وعلمية،وكان اللبنة الأساسية في الحضارة التي وصلنا إليها، وذلك من خلال محاصرته بالجهل الجمعي، وجعل التفكير خارج السرب، وخارج سياق النص الموضوع من قبل هذه القوى، جريمة يجب معاقبة مرتكبها، وهذا ما حصل مع سقراط وغاليليو وغيرهم، ومن لم تقتله هذه القوى بشكل مباشر وجسدي سلمته لنظم التعطيل المجتمعة التي أنشأتها وربتها، وهو ما أدى للقتل النفسي والمعنوي والفكري من خلال الإلغاء والإقصاء والتهميش وأحياناً التكفير، مما جعل الإنسان في حالة سكون وخمول وتسليم وجمود عقلي خوفاً من هذه القوى.
ـ ص 53 وفي قصة (ورقة نقدية) تقول شخصية القصة:” المال يعطينا شيئاً من الدفء لذلك نرى الفقراء جبناء، وأصحاب المال مقدامين وشجعان”. هل هو حقاً كذلك، أم أن للنظريات والقناعة رأي آخر؟
* لا يمكن لأحد أن ينكر سلطة المال وسطوته، وكلما زادت الرغبة بالرفاهية زادت الحاجة للمال، الإنسان الحالي استهلاكي، والعلاقات الاجتماعية والإنسانية تتأثر بشكل مباشر بعلاقات الإنتاج السائدة، لكن الأهم عندما يفقد الإنسان سعادته وشعوره بكينونته الإنسانية يبحث عن اللذة المؤقتة واللحظية التي يحصل عليها بالمال.
ـ ما تتركه قصة (يساري) ص 63 من قسوة الافتراس البشري، والخلط بين سوية الأحلام وقيمتها، برأيك أيهما أكثر وحشية إنسان هذه الأرض أم باقي كائناتها؟
* الافتراس بالنسبة لباقي الكائنات هو حاجة فيزيولوجية وضرورة للبقاء، أما الافتراس بالنسبة للإنسان فهو التوحش، وهذا التوحش سيقودنا إلى الفناء، إذا لم يتم إيقافه، لذلك اعتقد أننا بحاجة إلى صحوة ضمير وإلى قوانين رادعة حقيقية لكي تبقى الكائنات الحية بما فيها الإنسان بمأمن من توحش وجبروت وظلم الإنسان.
ـ الانتهازية ومن يدور بفلكها من رجالات سياسة ودين، غيبوا العقل الإنساني، تقارب مفهومها بقصة (خمارة الشهوة) ص 91 التي حملت شخوصها المتباينة في هيكلها والمتفقة في نفاقها صراع السياسة والسلطة والمال، وهوس الازدواجية التي تدير الاتجاهات بين الشهوة والعقل، متى يمكن أن يوفقا ويتوافقا لخدمة إنسانهما؟
* عندما تسيطر الشهوة تصبح محرك السلوك، و يفقد العقل دوره الوظيفي والأخلاقي، وبرج بابل الذي يبنيه ويتسلقه كل من السياسي ورجل الدين والتاجر الذين سيطرت عليهم شهواتهم، يصبح الغرض منه محاولة الوصول للمبادئ والقيم السامية وقتلها، لتصبح الشهوة منفلتة، لا حدود لها، ولا قوانين أو ضوابط تردعها.
ـ لماذا تلصقنا هذه المجموعة كثيراً بشخوصها، حدّ الوجع والدمع والسكينة؟ وهل هناك شخوص أخرى ستجتمع قريباً عند أوراقك وقلمك؟
* وجع هذه الشخصيات يعكس وجعنا، ومعاناتها تعبر عن معاناتنا، أحلامها المكسورة والمحطمة تشبه أحلامنا، لذلك أعتقد أن الكثيرين وجدوا أنفسهم في عدد من هذه الشخصيات.
الكتابة مثل الحب فعل وسلوك لا إرادي، و ما يميز الكاتب أو المثقف عن غيره أنه لا يبحث عن جواب “ماذا حدث” بل يبحث أيضاً عن جواب “لماذا حدث”، ومن هنا تصبح الكتابة مهنة إبداعية، وربما تكون متنفساً للكاتب للتعبير عما يحدث داخله من صراعات، وعما يراه من حوادث لا يستطيع تغييرها فيلجأ إلى الكتابة للتعبير عن فكره، حالياً أعمل على إصدار مجموعة قصصية ثانية.
سلمى حلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار