الوحدة : 26-3-2023
يُشار للصوم روحياً بوصفه وضوء النفس النقي بالانقطاع الطوعي التام عن التبعية لحواس مُغلقة على كينونات مُستقلة لا تتجاوزها، ووظائف محددة لا تتعداها وملكات ثابتة لا تتخطاها، و تتطهر النفس بنية الصيام لتأديته و حين العجز أو التعذر عن ذلك يُستعاض عنه بالكفارات و الصوم يُعد أحد الأركان الخمس التي بُني عليها عماد الدين الإسلامي ﻭ هو جنة من النار و زكاة للأبدان و هو الفريضة الوحيدة التي لا رياء فيها، و يُوصف تعريفاً بأنه الإمساك الكامل عن الطعام و الشراب وغيرها من المُفطرات كما عن الكلام في صوم الأنبياء الذين لا ينطقون عن الهوى، و من الواضح بأن روحية وصف الإمساك تُشير بأصابع البنان بدقة تامة إلى وجوب إخلاء المدى للحضور القدسي في ذات الصائم لعبور العجز و النرجسية و القلق و التكبر و الأنانية و العودة بشغف إلى رحاب الله. الصوم دعوة لعبور تصحر العطش الذي يُكابده الصائم في سبيل شوقه الأبدي إلى العرش الخصب القائم على الماء، و هو أيضاً قيام بلا عمل لتوغل عمله داخل كل تضاعيف النفس و يُعتبر كذلك عند معظم أهل العلم و المعرفة شعور السكون و الطمأنينة بين اندفاع و تداخل حركات الباطن الفاعلة التي تختلج في أعماق كل فاعليات الخلق ليكتمل تمام البلاغ و عند البعض الآخر هو انعتاق من آلية الإشباع الحسي بالعودة إلى صميم الجوهر لفتح مغاليق سراديب النفس المعزولة في نرجسيتها و لإسقاط أبراج الأنا المُتعالية فوق جبال المصالح و الأهواء و الغرائز التي تقف دون المرء و تحرره الروحي و دون الذات
ووصولها لشاطىء الصفاء و مرفأ النقاء على أرض البقاء.
من المعلوم للجميع و الثابت للعيان بأنه لا يلبث أن يأتي شهر رمضان المبارك و يهل هلاله حتى تزخر العديد من موائد شتى الناس على اختلاف مستوياتهم و تعدد اهتماماتهم بالأصناف المُتنوعة و الأطباق الكثيرة من كل ما لذ و طاب من ألوان الطعام و لهذا فحبذا لو تكون قائمة طعام الإفطار في هذا الشهر الرمضاني مثالاً للتغذية السليمة فعلاً مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة أن تمتلىء بمعاني الإيمان والتقوى و رهافة الإحساس بالغير، و أيضاً اتباع روح الدين الحقيقي بكل معانيه حتى يخرج الإنسان الصائم من رحم هذا الشهر المبارك أكثر صحة و عافية و حيوية و ثواباً و أجراً و ليس أكثر ضعفاً و مرضاً و تعباً و خسارة و حسرة، و كل عام و أنتم بألف خير.
د.بشار عيسى