العدد: 9343
9-5-2019
(فيما كان الصباح يتموج هادئاً في الشوارع المكنوسة بدأت الأقنعة تتشاجر وكالعادة بدأ الشجار مناوشة خفيفة ثم احتد، ثم عنف وثار الغبار، وانتشرت ضوضاء مدوية حول هذه الألوان والوجوه والمواد المتحاربة، ورغم أن البواب سمع الضوضاء، ورأى قطرات مغبرة تسربت من تحت الباب فإنه لم يحاول التدخل، هز رأسه وشرع يرتب في ذهنه القصة، التي سيرويها لسكان البناية مثيراً دهشتهم واستغرابهم) (مشاجرة من الذاكرة والموت) للمسرحي الكبير سعد الله ونوس في ملتقى محبي الكتاب بدار الأسد للثقافة
أقيم البنيان لمسرح الكاتب الكبير سعد الله ونوس في نصوص مهملة وقديمة (الورم، الهجرة من الغابة، المشاجرة، هكذا وجدت الهررة، عينان، الأجداد) وأجاد في تفصيلها وقراءتها الأستاذ أدهم اسماعيل حيث أشار فيها إلى بداية إلى قوله المشهور والمشهود له (إننا محكومون بالأمل) ليتابع:
إن الحديث عن سعد الله ونوس كمن يقتلع شوكة من عينيه وبعدها تلا أقواله في المسرح ومفهوم الفرجة والعرض المسرحي والنص:
إن الثقافة في منظور ونوس هي دور في حياة كل مجتمع، لكنها هي التي كانت دائماً تطرح الأسئلة الجذرية والجوهرية بالنسبة لمصير المجتمعات فهل كان المسرح نوعاً من الطقس أو الامتياز، وفي العمق هو ابتعاد عن جوهر المسرح كتوتر وانفعال؟ لعل ذلك السؤال هو واحد من أهم الأسئلة التي كان يهج سبها سعد الله ونوس في بحثه المضني عن غنى الطابع الجماعي للمسرح وهو من كتب يوماً المسرح مرآة وهو النص الذي وضعه فاتحة لكتابه (بيانات لمسرح عربي جديد)، وعليه فإن الأسئلة التي يطرحها العرض المسرحي أهم من الأجوبة التي يقدمها وهذا ما ذهب إليه ونوس في كتابته مسرحيته (سهرة مع أبي خليل القباني) وقد أدرك أن الدفاع عن المسرح دفاع عن الثقافة والفن.
في مسرح ونوس العديد من القضايا التي تمس المسرح ذاته وتمس الكتابة كما تمس الحياة، ولكنهما في الأعم والأغلب في صلب قضايا الفن والتعبير فضلاً عن الخصوصيات الجمالية والدرامية التي رسمت مسرح ونوس وعلاماته الفارقة، لا سيما التي كتبها قبيل رحيله إثر صراعه مع مرضه العضال.
ونوه في نبذة تفصيلية عن حياة ونوس انفعالاته ومسبباتها وقضايا بلده ومجتمعه التي أثرت فيه وفعلت فعلها فيكاد أن يكون مؤرخاً للهزائم العربية من حفلة سمر من أجل 5 حزيران حتى طقوس الإشارات والتحولات، وكان قد قال: أشك أن حرب الخليج كانت سبباً رئيساً بإصابتي بمرض السرطان وهي ضربة قاسية موجعة 1992 أصيب بمرض السرطان بالبلعوم ثم الكبد، ودخل بصراع مع الكتابة والسرطان لسنوات، وفي لقاء أخير معه قال: إن إحساسي الجنائزي سيتضاعف أكثر فأكثر وأنا على هذه التخوم الرجراجة بين الحياة والموت، لقد خلق ونوس مسرحاً مختلفاً عن مسرح الخطابة والوعظ، وعام 1967 تغير أسلوبه حيث استلهم الموروث الشعبي وبث فيه روح الحاضر بطريقة أقرب إلى الدهشة من نصوصه الحديثة (بلال أضيق من الحب، ذاكرة النبوءات، رحلة في مجاهل موت عابر) وفي عام 1997 تم إبلاغ سعد الله ونوس نيله جائزة نوبل للآداب لكن الموت كان قد سرقه منا قبل نيله الجائزة.
هدى سلوم