محطة من التراث

الوحدة:٨-٣’٢٠٢٣

يحكى أن الشاعر (ابن جاخ) توجّه إلى الأمير (المعتضد بن عبَّاد) فدخل الدار الخاصة بالشعر، فوجد لفيفاً من الشعراء يسمعون به ولا يعرفونه، فسألوه، مَن الرجل؟ قال: شاعر، فاستنشدوه ما عزم على أن يقوله للأمير، فأنشدهم قصيدة بلغت الغاية من الركاكة في الصياغة والضعف وتفاهة المعنى فضلاً عن سوء النطق وقبح الإلقاء، فلم يتمالكوا أنفسهم من الضحك عليه، بيد أنهم اتفقوا فيما بينهم أن يدخلوه معهم، وأن يجعلوا الأمير يبدأ به، حتى إذا قال شِعرَه الضعيف ظهر أثرُ شعرهم الطيب وزادت قيمة أشعارهم، وحين دخلوا على الأمير قدّموا ابن جاخ على أنفسهم، وقالوا: ابدأ بهذا، فبدأ ابنُ جاخ بالإنشاد، وإذا به يلقي قصيدة أخرى بلغت الغاية في الرفعة والفصاحة مع روعة النطق والإلقاء، قصيدة غير تلك التي ألقاها أمام الشعراء قبل دخوله على الأمير، إذ قال:
قطَّـعت يا يوم النَّوى أكبادي
وحرمت عيني من لذيذ رُقادي
وتركتني أرعى النّجوم مسهدا
والنار تُضرم في صميم فؤادي
يا أَيّها الملك المؤمّل والذي
قدماً سما شرفاً على الأندادِ
إنّ القَريض لكاسد في أرضنا
وله هنا سوق بغير كسادِ
فجلبت من شعري إليك قوافيا
يفنى الزمان وذكرها متمادي
من شاعر لم يضطلع أدبا
ولا خطت يداه صحيفة بمدادِ
فطرب الأمير له طرباً عظيماً، وقال: ناشدتك الله.. ألست ابن جاخ؟ قال: اللهمّ بلى؛ ويحكى أن الأمير ولَّاه رئاسة ديوان الشعراء، ولم يستمع بعده إلى أحد غيره، تكريماً له، وحفاظاً على أثر شعره كي يبقى في ذاكرته.

د. رفيف هلال

تصفح المزيد..
آخر الأخبار