العدد: 9341
7-5-2019
هو المسرح، خطواته خطوات الحياة نفسها، وفي مساحته الصغيرة الضيقة مساحة الحياة الكبيرة بأكملها، على كل مسمار جمع الخشبة، تتنوع الآهات والضحكات، لتختزل كل الحكايا، حكايانا فيما مضى، وما يجري، وما سيكون، ولهذا ودائماً كانت تعلو خشبة المسرح، تعلي القيم، وتنشد رؤى مؤلمة، عبر واقع حيّ نابض، مفعم بالمشاعر الصادقة، وفي دائرة الضوء فيه نكون نحن برداءاتنا المختلفة الحسية والزمانية.
(كلب الآغا ) واقع ماض ومستمر في حياة الشعوب، يحاكي في ساعة من الزمن كل ما قيل ويقال لكل تنهيدة ، لتبقى العلاقة مع خشبة المسرح هي عناق دائم، يجلي الصور، ويمسح عين الحقيقة.
(كلب الآغا ) عمل مسرحي نابض بالحس الإنساني الوجودي الأهم بما يحمله عقله البشري وحركته تجاه مصالحه في العيش ونفاقه في دروب تتعدد قضاياها وتتلون، تكون شائكة تارة، وتارة أخرى واضحة، بسيطة، جلية، هي واقع من ماض وحاضر يحضر معه كل الحقائق لزمن وأزمان ما زالت تعبر عبر علاقة جدلية محتومة وموجودة في كل الزوايا و التفاصيل الماضية و الآنية والآتية.
(كلب الآغا) نبض حي لزمن إقطاعي حمل معه فضاءه المملوء بالضدين، الحقيقة والزيف معاً، تتحرك شخوصه على خشبة، كل خطوة فيها تلاصق قصة وقصصاً وتطبع أرواحاً ملأت الزمن .
عن نص للأديب الراحل ممدوح عدوان يحكي قصة مقهى في إحدى القرى في ريفنا السوري والعربي والعالمي، تروي خبر مقتل كلب الآغا، وكيفية تلقي أهل القرية لهذا الخبر وطريقة تعاملهم معه، ليعكس الخبر ويكشف حقائق النفس البشرية بصراعاتها وأشكالها المختلفة، من الوصولية والانتهازية، والنفاق والمبالغة غي إظهار التبعية والخنوع، يقابله في الجانب الآخر النَّفَس البشري الممتزج بالكرامة ونبض الروح الحقيقي في رؤيتها وتطلعاتها، وحقها في العيش الكريم، بين القطيعية والاستقلالية الحرة، ووجود الطفل البسيط الذي يترك التساؤل عن المستقبل واتجاهاته، تدور أحداث هذه المسرحية في عرض مسرحي راق، مفعم بالضحكة التي تداري الدمعة الحارقة، أدار شخوصه الفكرة بأداء مهني مبدع، وارتسمت الملامح الحقيقية للزمن وإنسانه بصورة مبهرة، قام بإخراج العمل الفنان والمخرج فايز صبوح المملوء بالحس الفني والرؤية النابضة بالأفكار المطروحة في تكوين الشخصيات الثقيلة، والمبدعة في أداء صورها، ساعده في تكوين هذا العمل فريق تكاملا معاً لإظهار الشخصيات بضوئها الحقيقي، ويتألف طاقم العمل من المخرجة المساعدة غادة إسماعيل أما تتابع الشخصيات فكان للفنانين (ريم نبيعة – نبيل مريش – مصطفى جانودي – خليل غصن – محمود كعيد- أشرف خضور – محمد أبو طه – غيد غانم ، و زينب لايقة – سمهر بدور – بشار حسن – مجد عمران – حمزة صبوح الذي قام بدور عبدو طفل القرية ، الذي يحمل معه رغم صغر دوره في هذا العمل السؤال الجوهري عبر الزمن ومفترقاته والحيرة التي تقود هذه الخطوات في الانتماء إلى جوانب العقل والفكر الإنساني ومستقبله الآتي) إضافة إلى الفنان فايز صبوح، قام بتصميم الديكور بنان علاء الدين، وتصميم الأزياء حيدر صبوح والمكياج مهند نزيهة، وتنفيذ الإضاءة براءة حسينية، هندسة الصوت قامت بها آلاء إسماعيل، وإدارة منصة إشراق صقر، أما تنفيذ الديكور فكان لـ مالك يوسف، وتصميم وتنفيذ الإعلان علي فياض.
حول هذا العمل المميز كان لنا في جانب من المسرح لقاءات خاطفة مع شخصيات العمل والأدوار التي قدموها فكانت البداية مع مخرج العمل الفنان فايز صبوح الذي قال لنا: (كلب الآغا) أتت على مقاس همومنا ووجعنا المجتر منذ زمن ليس بالقصير، هذه المسرحية بما تحمله من همّ ووجع، وناس وصوليين ومسّاحي جوخ للآغا وأزلامه، عشتها –أنا شخصياً- حقيقة لا افتراضياً على أرض الواقع، وأنا أقوم بتدريب مجموعة من الممثلين في غرفة لا تتجاوز(15 متراً) لمدة تقارب الثلاثة أشهر، ومنذ بضعة أيام حتى تسنّى لنا الوقوف على خشبة المسرح بسبب
مسلسل (الترميم)، أما على المستوى الشخصي فقد حملت لي هذه المسرحية الكثير من الألم بسبب رحيل أحد الممثلين- لروحه السلام- وهو الفنان فواز الجدوع الذي لم تنصفه الحياة أبداً، وهذا العرض مهدى لروحه، (كلب الأغا) ليس عملاً أسطورياً ولكنه على ما أعتقد جدير بالاهتمام والمشاهدة، حاولت أن أعمل (ميكس) بين جيلين من الممثلين وهذا ليس بالأمر السهل، على صعيد تقسيم العمل واستيعاب الملاحظات والتفاوت في الأداء، وضبط البروفة ككل ولاسيما كما ذكرت بأن فضاءنا المسرحي كان عبارة عن غرفة لا تتجاوز 15 متراً مربعاً، مع كل الشكر لمدير المسارح والموسيقا على مساندته لنا بكل الطرق الممكنة، والشكر الكبير لجمهور اللاذقية الذي ترك كل همه وأزماته على جميع الأصعدة وأتى ليشاهدنا على خشبة المسرح نتحدى تلك الحياة.
* ومع الفنانة ريم أحمد نبيعة التي قالت لنا: شخصية أم فارس هي واحدة من تلك الشخصيات التي خطها بإتقان الكاتب الكبير ممدوح عدوان مع بعض الإضافات التي أضافها المخرج للشخصية، النفاق وتمسيح الجوخ وذلك من خلال تبجيلهم لكلب الآغا وصولاً بذلك لمراضاة الآغا نفسه، مع الاعتبار أنه ليس من السهولة بمكان أن تكتب أو تضيف ما هو أغنى وأكثف مما طرحه عدوان بهذه المسرحية، إنها بمثابة وصية فكرية وجمالية حملنا إياها الكاتب، فهي تلامس الوجدان الحي والذاكرة الجمعية، المحمولة في عقول أبناء هذا الوطن، أنا سعيدة بتجربتي هذه ولاسيما أننا أقدم شخصية مختلفة عما قدمته في سنوات عملي على خشبة المسرح في سنواتي العشرين السابقة ..للشخصية خط واضح يتخلله بعض الكوميديا السوداء، أتمنى أن أكون قدمت ما يليق بجمهور اللاذقية الجميل.
* نبيل مريش الذي يقوم بدور كامل قال لنا: كامل هو شخص مثقف في القرية، يرفض الانتهازية ويرفض الانجرار مع النفاق وتمسيح الجوخ، يسعى ويحاول بشتى الوسائل لإقناع أهل قريته وبلدته بالسير في الخط الحقيقي الذي يفيد قريته ويفيد بلده ، هذه الشخصية التي عبَرت عبر الزمن وستظل تسعى لمجتمع ووطن يضم الناس بكل تفاصيلها المتنوعة بعيداً عن أي انتهازية ووصولية ونفاق ، أو أي حالة تسلقية ، هذا هو المثقف الحقيقي في كل الحالات والأزمنة.
أما عن رؤيته للمسرح ودوره قال لنا: المسرح حاضر ويثبت نفسه في كل الأوقات، رغم أنه تراجع في الحضور الدرامي في الفترة الماضية إلا أن المسرح سيبقى الرافد الحقيقي للفن وللمجتمع، لأن المسرح يحمل شخصياته المستقلة والمختلفة والمتلونة في إظهار الفكرة والنص بشكل مباشر وحي في تماس مع الجمهور.
* أشرف خضور الذي قام بدور فؤاد قال لنا: شخصية فؤاد هي شخصية ابن الريف ، الشخص المثقف الفقير الذي يملك الفكر وحيثيات ما يجري في القرية والواقع ، ويعرف تحليل وأبعاد الأحداث ويفهم جيداً كل فرد في القرية ومضامين شخصياتهم ، هذا الوعي جعله ضد سياسة التماهي مع القطيع وسبل السير الجماعي الذي تحركه المصلحة فقط بإطار من نفاق مؤلم ، الأمر الذي يخلق طرفي حياة ، ما بين الفكر ويقظته البناءة وبين السلطة والتي هنا هي الإقطاع لينتهي به الأمر إلى نكران وجوده قوة النفاق هذه بحالة من السخط عليها ، ليكون بين طرفي الصراع
في النهاية وقوف الطفل عبدو حائراً بين هذين المنطقين ، وهذا ما يعكس السؤال الجوهري لجميع صراعات الحياة.
* أما الطفل حمزة صبوح والذي قام بدور عبدو في أداء نقي لما تحمله الطفولة من وله لاكتشاف دروب الحياة وحقيقتها ، ليكون هذا العمل الثاني له على خشبة المسرح وهو ابن بيئة فنية ومسرحية تأثر بها من والديه الفنان فايز صبوح والفنانة ريم نبيعة وعن دوره قال لنا : دوري هنا في هذا العمل دور الطفل عبدو الذي يعمل أجيراً في المقهى ليعيل أسرته ، ويرسله سيده دائماً ليجمع أهل القرية في الأحداث التي تحصل وتمر ويعيش بين أشخاص قريته ، يرى ويسمع ويتخبط في طبيعة الناس وما تحمله من قناعات ، خاصة بين طرفي النزاع ، بين الحكمة والمعرفة وبين الانتهازية والنفاق ، ليبقى في المشهد الأخير حائراً في موقفه الذي يقرر مستقبله الآتي لاحقاً.
سلمى حلوم