” زاهداً فيما سيأتي “

الوحدة : 5-2-2023

ها أنت ..

بكامل هدوئك  تجلس خلف نافذة شتائية خجولة ..تنادم الضجر ..تراقب نشرات الطقس وأسعار العملات والذهب والمواد الاستهلاكية ..تعد بحرص البخيل ماتبقى في محفظة جيبك القديمة ..وفي نفس اللحظة تتفقد شحن بطارية جوالك  ..وربما رصيد وحداتك الذي يسابق البرق في سرعته ونفاذه !!

ها أنت

بكامل وقارك ..تركض لاهثاً خلف حافلة النقل العام ..تزاحم ..تهرول ..تشترك مع الكثيرين في ذلك السباق “الماراثوني ” اليومي ..متجاهلاً ..تسريحة شعرك ..وثيابك المكوية وحذاءك الذي كان ذات يوم دليل أناقة لانقاش فيها ..

ها أنت ..

بكل حواسك ..وذكائك الفطري في العمليات الحسابية ..تحدق في الأسعار المكتوبة على واجهات المحال ..تقرأ الرقم وتعيد قراءته وكأن جنوناً قد أصابك ..تحذف صفراً وتعيد إضافته ..تتضارب في ذهنك العمليات الحسابية ..طرح وجمع وقسمة ..و بمقارنة بسيطةمع راتبك الشهري تحذف كل ماسبق دفعة واحدة !!

ها أنت …

وحيداً إلا من همومك وشجونك ..

تطالعك النعوات المعلقة على جدران المرافق العامة ..وللمرة الأولى تتفقد ملامح وجهك ..ونبرة صوتك ..تتحسس بكلتا يديك النابت من شعر ذقنك ..وتتساءل ..ألا زلت على قيد الحياة ..رغم كل الأحلام الجميلة التي ماتت في داخلك !

ها أنت ..

بكامل حزنك ..

تسترق السمع إلى أغنيتك الأثيرة ذات مساء هارب من صقيع الوقت ..تدندن لحناً لايفارقك ..وربما تمارس هواية التذكر وإعادة رسم الوجوه بالضوء والعطر ..تغويك اللغة ..وتفر من جدران ذاكرتك الأسماء الحبيبة ..والعناوين الصديقة ..والأماكن الأثيرة التي هي أقرب إلى الروح من أصحابها في أحيان كثيرة ..

ها أنت ..

تقترف من جديد إثم الكتابة للسماوات الغارقة في زرقتها والمدن المحاصرة بالحنين ..رغم كل الضباب الذي يعتريك !!!

 

منى كامل الأطرش

تصفح المزيد..
آخر الأخبار