الوحدة 2-2-2023
بعد وصول طلائع المصوِّرين الفوتوغرافيِّين الرحَّل لمنطقة بلاد الشَّام التي بقيت لقرونٍ عدَّةٍ تحت سلطة الدولة العثمانيَّة ،وبعد انتشار صورهم وتعرُّف أبناء المنطقة على هذا الفنِّ الجديد ، نشبت حالةٍ من المدٍّ والجزر بين القيِّمين على حفظ التقاليد الدينيَّة الموروثة من تداعيات حكم تلك الدولة التي حرَمت استخدام الصور المحفورة أو المرسومة يدويَّاً، وبين من تبنَّى شرعيَّته من منطلق أنَّ “مصوِّر شمسي” تعبيرٌ عربيٌّ أطلق على من زاول التصوير الفوتوغرافي بأداةٍ تعتمد على مصدرٍ ربَّانيٍّ هو ضوء الشمس بقصد تثبيت رسومٍ حقيقيَّةٍ وهذا أمرٌ لا يتعارض مع الفكر الديني . بهذه المقدمة استهل المهندس : “منير كباس” محاضرته التي حملت عنوان: “آليَّة انتقال مهنة التصوير الفوتوغرافي لأبناء بلاد الشَّام”، و ذلك في مقر جمعية العاديات باللاذقية ، في مادتنا الآتية نسلط الضوء على ما جاء في المحاضرة من مضامين و أفكار. أشار م. “كباس” في بداية محاضرته إلى أن: مزاولة مهنة التصوير الفوتوغرافي كانت من قبل الباب العالي على شكل فرماناتٍ سلطانيَّةٍ أصدرها السلطان عبد العزيز (1830 -1876 ،ليتابع السلطان عبد الحميد الثاني (1842-1918) ما بدأه سلفه بدعم التصوير والمصوِّرين. فقام بإنشاء استوديو خاصٍّ به خصَّصه للصور الرسميَّة تدفعه رغبةٌ باستغلال التصوير الفوتوغرافي الذي أحبَّه لنقل صورةٍ بانوراميَّةٍ عن إنجازاته من طرقٍ ومستشفياتٍ ومعاهد وسككٍ حديديَّةٍ تظهر إمبرطوريَّته أمام الغرب بصورةٍ حضاريَّةٍ حديثةٍ . فأمر عام 1889 بتصوير الإمبرطوريَّة العثمانيَّة ووضعَ صورها البالغة 1819 صورة بواحدٍ وخمسين ألبوماً جُمعت في اثني عشر مجلَّداً. أسهمت ستُّ شركات تصويرٍ بإصدارها، هي: استوديو عبد الله فرير ، استوديو فيبوس، استوديو صباح وجوييه، وزارة الحربيَّة ممثَّلةً بالعقيد علي رضا، المدرسة الإمبرطوريَّة للهندسة، المصوِّرُ اليونانيُّ العثمانيُّ كاكوليس، مصوِّرٌ غير معروف . كما وظِّفت الصور لإيضاح التطوُّرات الحوليَّة في الدولة العثمانيَّة عن طريق رفد السالنامة ولاية بيروت الصادرة عام1908، والتي تضمَّنت 24 صورةً لسناجق الولاية الخمسة: بيروت – عكا – نابلس – طرابلس – اللاذقية. خصِّص سنجق اللاذقيَّة بصورتين لم يُحدَّد مصوِّرها واحدةٌ لمينائها والأخرى لجامع المغربي . رغم تلك الفرمانات السلطانيَّة لم ينتقل التصوير من المصوِّر الزائر إلى ابن المنطقة إلاَّ عبر محورين متباعدين جغرافيَّاً انطلقا بوقتٍ واحدٍ قادهما أرمن المنطقة ، ساعدتهم ظروفٌ خاصَّةٌ كعدم تبعيَّتهم لسلطة ذاك الفكر، إضافةً لانفتاحهم على لغات وعادات المصوِّر الزائر ممَّا سهَّل عمليَّة نقل المعرفة والخبرة عن طريق الاحتكاك اللغوي والاجتماعي، إضافةً للمدارس التعليمية التي كانت متاحةً لهم أكثر من غيرهم. انطلق المحور الأوَّل من مدينة إسطنبول على أيدي أرمن تعود أصولهم لمنطقة كيليكية ، والثاني من مدينة القدس أيضاً بهمَّة أرمنيٍّ من أصولٍ مشتركةٍ مع مُطلقي المحور الأوَّل ليتمَّ باجتماعهما تغطية منطقة بلاد الشَّام بأكملها بمصوِّرين أكملوا ما بدأه المصوِّر الزائر.
رفيدة يونس أحمد