تهجـّم وقطع وهدم… ولله في خلقه شؤون!

رقــم العــدد 9338
24 نيســــان 2019

زوبعة ملأت الشارع صخباً وضجيجاً، حين جاءت دورية من البلدية ورجال من الشرطة، اقتحمت بيتاً مفتوحاً على الخلاء أمام البحر الواسع, بيت قديم بني على أرض بور ليست ملكاً لسكانها, ولا للمطرانية, ولا للبلدية..
وحتى يحمي سكان البيت القديم هذا غرفهم المهترئة بنوا جداراً، وقف الجدار حجرة عثرة في وجه البيت المجاور وسكانه الذين لم يقفوا على الحياد, ولم يرضوا بالحائط فقاموا بتقديم شكوى للجهات المختصة، ولتنفيذ القانون لا بد من ردم المخالفة, فوق أرض مخالفة, قرب بيت مخالف، كان لا بد من التحرك..
سيارة التركس الضخمة قطعت أولاً شجرة التوت المعمرة, التي كان سكان البيت يتفيؤون بظلها ساعات الظهيرة والشكوى لم تطل الشجرة التي لو استطاعت لقالت: ما ذنبي أنا؟ وحتى اللحظة لم يعرف السبب، هل هي موجة غضب بدأت بالأخضر, ثم اليابس، أم الحماسة الزائدة؟
وشهد الجدار عراكاً بين أصحاب الدار الفقراء, والجهات الرسمية, فللجدار ثمن مدفوع من لقمة عيشهم.. ووصل العراك حدّ رمي السيدة العجوز على الأرض, وهي تحاول منع الكارثة بالنسبة لها، وإلحاق الأذى بنساء البيت شاهده أهل الحي، الذين تجمعوا على الصياح, والجلبة.. أما المشتكي الجار والقريب البعيد فقد أعلن انتصاره حين تهدم الجدار وبكت النساء.
قصة جديدة تضاف إلى قصص الجانب الشرقي من الكورنيش البحري بطرطوس..


وبانتظار الحل لأسر تعيش في بيوت مهترئة, تالفة بسبب الزمن, وعوامل الطقس, والفقر, والمنع من التصرف في أرض بعضها ملك لأصحابها, وأخرى تملكها البلدية, لكن يعيش عليها سكان من أهالي طرطوس سكن معظمهم المكان منذ مئة عام, وتوارثه الأبناء, والأحفاد, وهم يدفعون الضرائب, ويملكون ساعات للماء, والكهرباء، يدفعون ما يترتب عليهم جراء استخدام هذه البيوت المهترئة حتى تسقط فوق رؤوسهم, وقد منعوا من صيانتها, أو تغيير مواصفاتها ريثما تصدر القرارات المرضية لجميع الأطراف, وولادة الدراسة الأكاديمية من جامعة تشرين التي ينتظرها الجميع, إلا أهالي هذه البيوت فهم لا يملكون أملاً في حل يرضيهم, وغير قادرين على قبول الحلول الوسطى..
هي مسألة حياة أو موت، كما يقول سكان هذه البيوت المتهالكة, وكأنها من عصور غابرة، وكأنك في عصور غابرة إذا مررت بها، فقد ترى رجلاً يجلس القرفصاء أمام بيته في الظلام الدامس، نار الحطب الذي يشعله ليتدفأ به طيلة فصل الشتاء يدل عليه، لا يتحرك مثل تمثال مركون في زاوية، وترى البيوت مشرعة الأبواب صيفاً وشتاء على الطريق العام, وقد ترى رجلاً يفترش الأرض, وكأنه في كهف مظلم أو كأنك تعيش زمن الكهوف، لا أبالغ إذ أرى نسوة, ورجالاً يعيشون فوق أرصفة بيوتهم, يشربون ويأكلون أمام بيوتهم المفتوحة على الدوام, يتحدثون بأصوات مرتفعة, وأولادهم حولهم يلعبون بفرح، يبدو أنهم اعتادوا, ورضوا ..
على الجهة المقابلة.. شاطئ جميل يزهو برصيف واسع, ومقاهٍ حديثة تحمل أسماء أجنبية كانت ممنوعة فيما مضى عبر حملة التمكين للغة العربية، لكن اليوم تتغير الحكايات مع تغير الأسباب، ولله في خلقه شؤون وشجون.

سعاد سليمان

تصفح المزيد..
آخر الأخبار