الوحدة 12-1-2023
بعينيه يلتقط كل جميل وبأنامله يرسم الفرح والحب والتفاؤل، لا مكان للحزن والأسى بلوحاته، يصرّ على بث التفاؤل أينما حط، فهو ابن المعمورة الجميلة بريف الدريكيش، وهو الطفل الصغير الذي ذهب لأول مرة مع أمه لسينما “شفيق” بالدريكيش لحضور فيلم عن المقاومة الفلسطينية يوم ذاك، وهي الذكرى التي لاينساها فناننا الجميل لأنها خلقت فيه عالماً موازياً شغوفاً بالحب والجمال والخيال وجعلته عاشقاً للفنون السبعة من تلك اللحظة، عاش ضمن عائلة مكونة من 12 صبياً وبنتاً تعلموا جميعاً، والده الرجل القوي والحازم كما يصفه عمل بالتجارة بالقرية وأمه الأميّة كانت تساعده واستطاعت أن تصمم دفتر حسابات بمفردها لجرد تجارتهم ووضع الملاحظات على عملهم، والدته كانت تحب الإذاعة والموسيقى وتناديه لتسمعه كل جميل، وفعلياً لم يعلمه أحد الرسم وكانت بداياته بالمرحلة الثانوية حيث بدأ يحاول الرسم ونقل رؤاه البصرية، ونجح بذلك بالفطرة، حيث كان يرسم بفرح وشغف، وكانت أمه تبتسم وتشجعه في كل مرة، رغم أن نظرة البقية لما يفعل كان بأنه تضييع للوقت كغيره من الهوايات، ولاينسى الفنان علي أستاذه في القرية (علي سليم حسن) الذي تابعه في المرحلة الإعدادية والثانوية، وكان أباً روحياً له ولمعظم شباب القرية، حيث كان يشجعهم ويحثهم على النجاح والتميز، ويضيف الفنان خليل أستاذي الفضيل كان أول من اقتنى لوحة لي ولم يكن يعلم أنه بذلك نفخ فيّ من روحه وأعطاني الزخم الذي لا مثيل له لأستمر، حيث أنهى دراسته الثانوية وتقدم للمعهد العالي للفنون المسرحية ولكن الحظ لم يحالفه لأسباب متعددة، ليدفعه القدر لدراسة المعهد المتوسط التجاري بجامعة تشرين، وعن هذه المرحلة يتحدث خليل عن رحلة تذوق الفن والمطالعة ومتابعة كل الأنشطة الفنية والسينما وحضور المسرح الذي كان بنظره أجمل مكان في العالم، إضافة لمتابعة المجلات الثقافية وبالأخص مجلة الحياة التشكيلية الفصلية والتي كانت تصدر عن وزارة الثقافة ومجلة العربي العريقة، وكان يسافر سنوياً لدمشق لزيارة معرض الكتاب ومكتبة الأسد ولا ينسى اللقاء مع الأديب المبدع حنا مينة فيها حيث قام بكتابة إهداء له على كتاب لا زال يحتفظ به حتى اليوم كذكرى جميلة ومحببة، كما كان يقوم بزيارة الأماكن الأثرية، حيث كان يشعر كل مرة كأنها المرة الأولى، وبعد أن عمل لمدة عام في لبنان وزار خلالها بعلبك التي سحرته، عاد بعدها ليدرس مادة الرسم في قريته لمدة عام، وعن هذه المرحلة يبتسم خليل ويقول: باتت حصة الرسم حصة من الفرح وخلق الجمال في المدرسة بعد أن كانت حصة فراغ يستغلها المدرسون الأساسيون لإتمام المنهاج، رفضت أن أعطيها لأحد وقررت أنا والطلبة أن نعمل سوياً لإنجاز معرض فني بالمدرسة إضافة لتقديم مسرحية مع الطلاب قمت بتأليفها وإخراجها يومها، وبالفعل تم الأمر بنجاح وترك ذكرى طيبة في نفوس الجميع، ولكن عملي لم يستمر أكثر من عام حيث انتقلت فيما بعد للعمل في مديرية مالية محافظة الرقة أنا وزوجتي مدرسة الرياضة، وبقينا هناك 8 سنوات خلقنا فيها حياة جميلة وذكريات طيبة، قبل أن أنتقل لمالية طرطوس ونعود محملين بالعديد من التجارب والمخزون البصري الساحر عن الفرات والحياة الخيّرة في تلك المنطقة ومعنا ابنتنا الصغيرة الغالية والتي أصبحت محامية وأم لطفلة اليوم، وفي طرطوس تابعت عملي في المالية بالحسابات والأرقام وصرت أباً للمرة الثانية بعد ذلك لصبي تخرج من كلية التمريض ويعمل في أحد المشافي حالياً، وتابعت ممارسة هوايتي بالرسم في المنزل، ومن ثم بدأت أعلم الأطفال الصغار الرسم، وشاركت بأربعة معارض فنية جماعية وواحد فردي، كما أنجزت في سنوات عمري أكثر من مئتي لوحة، وعن أسلوبه الفني يرى خليل أنه أقرب للمدرسة الانطباعية والواقعية ومعظم لوحاته عن المرأة والطبيعة، كما ركز على استخدام الألوان الزيتية ذات الديمومة، وقدم العديد من أعماله كهدايا لأصدقائه وأحبته، كما باع عدداً منها أيضاً. أما عن مرحلة التقاعد الذي وصل إليه بنهاية عام 2022 فيقول خليل: شعرت أنها مرحلة جديدة وولادة جديدة أتابع خلالها تعليم الأطفال مبادىء الرسم وكتابة الخواطر والتقاط الصور الضوئية التي تجذبني، وأنا راض وسعيد بكل ما حققته في حياتي رغم كل التحديات والصعوبات، وأرى أن كل إنسان بإمكانه الوصول لما يريده بالشغف والجد والإصرار . وبابتسامة محببة يختم الفنان خليل بالتأكيد على أن هناك الكثير ليفعله ما بعد التقاعد وهناك الكثير من الجمال الذي يتابع لحظه وفي كل صباح مؤكداً أن الموت الحقيقي هو أن يعيش الإنسان للاشيء.
رنا الحمدان