الذكاء … بين الوراثة والبيئة 

الوحدة : 6-1-2023

الذكاء هو تلك السمة الإنسانية التي يُعزى إليها ما أحرزته البشرية من منجزات علمية و فنية و فلسفية و فكرية، و إذا ارتفع نصيب الإنسان منه وصل إلى حد العباقرة و صُناع التاريخ، وإذا انخفض نصيبه منه انحط مستوى سلوكه ليقترب من سوية باقي الكائنات الحية، كما أنه مسؤول عن صُنع حضارة الإنسان و لهذا فكلما ارتفع مستوى هذه الحضارة و زاد تعقيدها احتاج الفرد لمزيد من الذكاء لتحسين التعامل مع ظروف الوقت الراهن، ووفقاً لهذه الأهمية للذكاء، فقد كان و ما يزال محط أنظار، واهتمام العلماء و الباحثين و المفكرين، و من أهم التعاريف الشائعة عن الذكاء هو التعريف العلمي القائم على أساس السمات و القدرات و الإمكانيات التي تبدو واضحة في سلوك الفرد الذكي، و يُعرف هذا التعريف بأنه التعريف الإجرائي لنسبة الذكاء و مستوى قياسه، و يختلف هذا التعريف عن جملة التعاريف العامة أو الفلسفية كالقول:إن الذكاء هبة أو فطرة أو وراثة أم أنه قدرة واحدة أو عدة قدرات متشابكة مع البحث حول اكتشاف ماهيته أو كنهه و مادته الأولى.

يدور الحديث دوماً بين الناس حول صحة القول: إن الذكاء وراثي أو مكتسب و بعبارة أخرى هل يتحدد درجة و نسبة ما يملك المرء من ذكاء عن طريق نواقل الوراثة من الأجداد، و الآباء أم أن التربية التي يتلقاها الإنسان و الخبرات التي يكتسبها من خلال ما يمر به حياتياً و كذلك نمط الغذاء المتوفر، وحتى أشكال الأمراض التي قد تُصيبه كلها تؤثر في نمو الذكاء و تطوره لديه، فإذا كان الوضع الوراثي هو المعبر عن الحقيقة في هذا المضمار فإن المرء يقف مكتوف الأيدي أمام ما يملك كل شخص من ذكاء و لا يستطيع أي أحد تنميته و إذا صح الاتجاه البيئوي، فإن الآفاق مفتوحة لتحسين أحوال كل من حرمتهم ظروف الطبيعة من وفرة هذه القدرة الثمينة و هنا تكون الهمم عالية لزيادة نسب الذكاء تحقيقاً لمزيد من سعادة البشرية و رفع مستوى إنجازاتها و إبداعاتها و هنا بالذات يستطيع المجتمع ضمان تحسين ذكاء الأجيال القادمة بصورة مطردة جيلاً بعد جيل مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار جدية العمل للقضاء على شتى الظروف و العوامل السلبية التي من شأنها أن تقلل من إبداع و ذكاء و تميز سائر الأجيال المستقبلية .

خلاصة القول: العوامل الوراثية تضع الإطار العام أو الحدود العامة التي ينمو خلالها الذكاء، ولكن هذا لا يمنع من أن العوامل البيئية تُؤثر، ولو بتأثير محدود على نمو الذكاء، وكيفية استخدامه و الوجهة التي يتخذها.

فإما يتجه نحو الإبداع و الابتكار و الأعمال الإيجابية النافعة أو أن تجنح بوصلته نحو الانحراف و الجريمة ، و معنى ذلك أن الوراثة تعطي البذور الخام و التربة الصالحة. ويقود ذلك كله للتأكيد على أن الإنسان بحق هو ابن البيئة و الوراثة معاً و نتيجة محصلة للتفاعل بين كلا العوامل البيئية و الوراثية كون البيئة تُؤثر في الوراثة و تتأثر بها.

د. بشار عيسى

تصفح المزيد..
آخر الأخبار