اللغة والوعي في عيد اللغة العربية

الوحدة22-12-2022

اللغة أحياناً هي الفكر، فنحن نفكر بلغة ولا يمكننا أن نفكر بغير لغة، ولأننا نفكر باللغة، فإن اللغة تعكس فكرنا وتعكس وعينا بالعالم، ولأن فكرنا هو الذي يحدد سلوكنا يمكن القول: إن اللغة هي التي تحدد سلوكنا أيضاً، ولما كان الإنسان هو الكائن الوحيد على الأرض، يفكر كانت اللغة تمثل علامة على إنسانيته، بل هي كما يقول الغذائي شخصيته وهويته وحقيقته الوجودية.
“اللغة والوعي” عنوان محاضرة ألقاها الدكتور عدنان أحمد رئيس قسم اللغة العربية في جامعة تشرين، بمناسبة عيد اللغة العربية في دار الأسد وتابع بقوله : بناء على ذلك فإن العلاقة بين اللغة والفكر الذي يمثل حالة وعي بالوجود قامت المدرسة الفلسفية الظاهراتية.
إذ بدأت من العلامات اللغوية التي تتوسط علاقة الوعي بالأشياء والظواهر، فالفعل الأول الوعي هو المعنى ونقول أن الإنسان يتلقى الوجود باللغة.
ونقول: إن الإنسان يتلقى الوجود باللغة فنقول قمر، بحر، إنسان إلخ ولكن الألفاظ التي يتقبلها الوجود ليست محض أسماء بمسميات بل هي أشياء مثقلة بمحمولات ثقافية هي أسماء للشيء ومواقف منه، فلفظة بحر تدل على البحر ولكنها لا تعني لابن البادية ما تعنيه لابن الساحل ولا تعني في الشتاء ما تعنيه في الصيف، ولا تعني للمصطاف ما تعنيه للصياد، وإن كانت من حيث الدلالة تشير إلى مسمى واحد، ومع ذلك فإن لفظة بحر تدل على شيء محسوس ملموس بغض النظر عن الموقف من الشيء غير أن المسميات ليست محسوسة كلها.
فثمة مفهومات أيضاً (عيب، حرام، جميل..) تستمد معانيها من وعي المجتمع المعبر عنه بالثقافة فهي مراجع سلوكية ومنارات يهتدي بضوئها أبناء المجتمع في علاقات بعضهم ببعض غير أن هذه المعاني ليست جامدة وثابتة بل تتغير من حيث الدرجة والنوع بتغير ثقافة المجتمع، وعندما يتغير مفهوم العيب مثلاً ، فسوف تتغير بالتأكيد طائفة من العلاقات الاجتماعية بتغيره، وسيؤدي إلى تغير في مفهومات أخرى تنتمي إلى الحقل الدلالي نفسه ولأن الحقول الدلالية متداخلة إلى حد كبير، فإن التغير سيصيب وعي المجتمع برمته، وهو ما يجعل الباب مفتوحاً أمام أعداء المجتمع، وهو أمر فيه خطر كبير يستوجب اليقظة والحذر الشديدين لأن أي تهاون فيه يعد تهاوناً بهوية المجتمع ذاتها وتابع الدكتور عدنان بقوله: إن دراسة اللغة مفتاح لفهم الكثيرمن السلوك البشري الخاص بالأفراد أو التفاعل بينهم، ونظراً لأن اللغة والتفكير مرتبطان، فإن أي دراسة للغة تصبح إسهاماً في فهمنا للعقل البشري، وفهم لغة قوم لا يعطينا مفتاحاً للدخول إلى ثقافتهم وتعرف فكرهم فحسب بل يتيح لنا أيضاً تعرف بنية العلاقات العملية التي يقوم عليها مجتمعهم ، وإن الناس يرون الحقائق الموضوعية نفسها بطريقة مختلفة ويعبرون عنها بطرائق مختلفة ،وأشار الدكتور عدنان لمقولة (ما حدا احسن من حدا) ومهد بحديثه لمقولة المساواة بين الرجل والمرأة فقال : إن لفظ امرأة يدل على مسماه المعروف بالعربية، ولكن الثقافة العربية جعلته مثقلاً بالإثارة والنقص، وهو ما كان له تبعاته على المستوى الاجتماعي وعلى الجانب الديني وهو ما أدى لفهم غير دقيق حتى لبعض الآيات القرآنية وضرب بعض الأمثلة لفهمها.
اختتم الدكتور عدنان حديثه بالقول: لما كان الفعل الأول الوعي هو المعنى وجب علينا التدقيق والتفكير من أجل الوصول إلى المعنى، وقد انشغل أجدادنا لأجله، فكان علم البيان، والجاحظ يعرّف البيان بأنه الدلالة الظاهرة على المعنى الخفي والمراد بالخفاء المعنى اللطف والدقة والعمق، وإن كان عالم اللغة يحاول إيجاد وصف للغة معينة من حيث صعوبتها وتركيبها ومعجمها وتاريخها، فإن عالم النفس يتعامل مع اللغة بوصفها سلوكاً يمكن إخضاعه للدراسة، فهو يهتم بالإدراك وكيف يختلف الناس في إدراكهم للكلمات أو تحديد ملامحها الدلالية، وهناك علم اسمه علم النفس اللغوي.
المناقشات كما كانت بداية قد مهدت للمحاضرة في بعض قولها: من أضاع لغته فقد تاه عن أمته وفقد نسبه واضعاً تاريخه ونحن اليوم نحتفي باليوم العالمي للغة العربية، فيجب أن ندرك دور اللغة العربية في مد جسور التواصل بين المجتمعات عبر قنوات الثقافة والأدب والعلم.
والجدير بالذكرأن الدكتورة فاطمة بله أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية أدارت جلسة الحوار التي شارك بها السادة الحضور من أساتذة جامعيين ومفكرين ومهتمين قدموا بعض المداخلات القيمة التي أضافت بعض العناوين و الأفكار.

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار