الوحدة 10-12-2022
تنوّعت طرق تنفيذ العمل التشكيلي وتقنياته ومدارسه، وصار التشكيل هواية من لا هواية له بالرغم من غلاء المواد اللازمة لرسم أو نحت أي عمل، ومع ذلك نرى في العديد من المحلات التجارية أعمالاً تشكيليّة مطروحة للبيع، بعضها بأسعار مقبولة وبعضها باهظة الثمن. فكيف يمكن التمييز بين العمل الجيد الإبداعي والتجاري؟
حول سمات العمل الفني الإبداعي وميزاته عن العمل التطبيقي والتجاري يجيبنا الفنان حسين صقور فيقول:
أهم سبب لوجود التشكيل التجاري في المحلات هو سبب مادي بحت، وخاصة اليوم مع ضيق سبل العيش.
أود أن أذكر أولاً إنّه لا يمكن قياس الإبداع بمقياس مادي أو كمّي، كما لا يمكن شراؤه بما يعادله مادياً.
العمل التجاري يقاس بالوقت الذي استغرقه العامل لإنجاز هذا العمل، وبالكلف التي تكلّفها عليه مادياً، والحيّز المكاني و الزماني الذي تحتاجه بضاعته ضمن أماكن التسويق. يضاف إلى ما ذكرت خبرته الأكاديمية وعلى هذا الأساس يقيّم سلعته ويعرضها للبيع.
أما العمل الفني والإبداعي فلا يمكن قياسه بوقت الإنجاز. فالإبداع ومضة قد تخرج فجأة وخلال لحظات لكنها تُخفي خلفها مخاضاً طويل الأمد كما لا يمكن قياسه بكلفته المادية. إذ إنّ كلفته تتجاوز كثيراً قيمة الألوان والقماش أو الورق والأحبار وغير ذلك. كلفته هي التجارب الحياتية التي صقلت الإنسان والفنان وأوصلته إلى خلاصة الحياة والنضج، وبالتالي تصير كلفته مكسباً لصالح المبدع والفنان ذاته.
الإبداع هو رسالة موجّهة لعالم آخر و لزمن آخر قادر على فك شيفرتها.
الحقيقة أن غالبية الفنانين المبدعين لا يأخذون حقهم المادي كمقابل لما يقدمونه من إبداعات لأن البيع قد يكون مرتبطاً بقضايا خارجة عن إرادة الفنان كالعلاقات والقدرات المادية التي تساعده على إقامة المعارض وعلى السفر والتسويق لأعماله.
وتابع توضيح الفرق بين العمل الإبداعي وبين العمل المهني قائلاً: العمل الإبداعي غير خاضع لتخطيطات آليّة مُسبقة أو على الأقل لا يلتزم بتلك التخطيطات حرفياً بحكم انسياقه لطقوس لحظية خاصة، وهو يتسم بالفردية والفرادة وتكمن قيمته في خصوصيته وندرته وفي تمنعه، حتى وإن بدا سهلاً، هو طقس خاص من طقوس العبادة، والعبادة طقس فردي لا يحتاج لفريق عمل، مثلاً كل الأعمال النُصُبيّة والجدارية والتي تحتاج لجهد جماعي وتصميم فردي سابق هي أعمال نحت باتجاه المهنية، لأن الإبداع كان محصوراً فقط بالفكرة وليس بالتنفيذ. الفكرة قابلة للتداول بمعنى يمكن سرقتها وتنفيذها.
المهنية والخبرة شرطان أساسيان للعمل الإبداعي ولكنه غير كافٍ.
المهنية تعني القدرة على التطبيق وتنفيذ أدق التفاصيل التي تجود بها المخيّلة.
المهنيّة تعني الوعي للأدوات المستخدمة، ومدى قدرتها على تحقيق الغرض المطلوب منها، ولكنّها وحدها لا تقود لعمل إبداعي قادر على مخاطبة الأحاسيس.
المهنيّة وحدها لا تقود لعمل قادر على خرق جدار الصمت والخروج عن المألوف. هي شرط غير كافٍ لتحقيق الإبداع ،إن لم تتجاور مع مخيلة وروح قادرة على الربط ما بين الرؤية الكليّة والتفاصيل وترجمة الأحاسيس اللحظية.
مهى الشريقي