السرّ..؟؟

الوحدة:٧-١٢-٢٠٢٢
الأسرار التي تختبئ في حنايا الذاكرة إن صنتها صانتك، وإن أطلقت سراحها أهانتك، فهناك مسافة بين الشفافية والسرية في الحياة الشخصية لأي إنسان، وإن فتح صندوق الأسرار، والإفراج عما مسكوت عنه بأقصى حالات الجرأة والمكاشفة العلنية كمن يسير حافي القدمين فوق حقول الألغام، فالسر المنزوي في ظلمة كهوف الذاكرة ما دام محفوظاً في السريرة يكون المرء سيده وإن أخرجه يغدو عبداً له.
عندما سئل أدونيس: هل هناك حدود نقف عندها ولا نجرؤ على البوح بها والكتابة عنها… قال: ( نعم، ليس لأنني لا أملك الجرأة، ولكن ثمة ما يؤثر على حياة الآخرين).
الحياة تتابع مسيرتها ولا تلتفت إلى الوراء عندما يوغل الإنسان في العمر تأتي اللحظة الموجعة كسيخ نار يخترق القلب والذاكرة، ويشعر باقتراب نهايته ودنو أجله ويغدو الموت – الكابوس الذي يعيشه في بصره وبصيرته، ويسقط دون ضجة كما تسقط ورقة الشجر في الخريف، وسيصبح بعد فترة وجيزة في مستودعات الزمن البالي ولا أحد ينحني فوقه باكياً متفجعاً يندبه بعبرات الدموع والأسى يخبو ضوء الحياة في عينيه وشبابه ينحني رويداً رويداً نحو المغيب.
طعم المرارة في الغم يدمي الفؤاد ويقص الشريان، يجلس الإنسان وحيداً محسوراً أشبه ببحر غادرته العاصفة مبقية فيه حطاماً متناثراً غارقاً وصار مغرماً برصد تحركات الحياة ، وترتسم على وجهه المتغضن هموم سبعة عقود من العراك مع الزمن وأحلامه، اندبحت من الوريد إلى الوريد والزمن يتدفق في ذاكرته كريح عاصفة، وسيسقط مثل شجرة يابسة شبت النار في جذورها، قطع مراحل العمر الذي أفنى جسده ويكاد يرسو على شاطئ الحياة ويسلمه الوجود إلى العدم كالأسير وراء سور يمضغ الماء ويجتر الهواء وكأنه واحسرتاه لم يعش وتغفو الأسرار والأسئلة والحقائق في العينين الغائرتين الحائرتين وفي الصدور التي لا تستطيع جهراً.
الإنسان يبوح بأشياء كثيرة عن أحداث حياته الشخصية الخاصة للمقربين الخاصين منه الذين يصطفيهم بوده ويأتمنهم على أسراره قبل أن يموت ودرج أسراره يدفن معه، ويمتنع عن البوح إذا علم أنها ستذاع وتنشر وتعلن، ومن الناس من يرى أن يبوح بأسراره بنفسه ولا مناص من فض الأسرار المغلقة واستحضار الأحداث الهاربة من الذكرى وإفشاء التفاصيل الصغيرة قبل أن تهرب من الذاكرة، وتلبس قميص النسيان.
دائماً في حياتنا شيء قديم نحنّ إليه، ومواقف سارة فرحة نبكي عليها، الأسرار تتدفق كالدموع التي تمضغ القلب تظل شعلة متوهجة تضيء الذاكرة وهناك أسرار في حال نشرها قد تؤدي إلى فضائح من العيار الثقيل وتسبب الأذى للآخرين.
الإنسان يملك سيرته وأحداثها، لكنه لا يملك نشر ما تشارك به من واقع وأحداث مع الآخرين كونها ستتناقل وتتناسخ من لسان إلى لسان ومن مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان، وكأنها ما زالت حية ترزق وقد يتسبب نشر تلك المعلومات والأسرار بالحزن والحرج والإرباك والمشاكل لأشخاص تشابكت حياتهم مع حياته ولا يرغبون بنشر أحداثها لأسباب عائلية أو اجتماعية أو إنسانية ولا يملكون الشجاعة على نشرها و قد تؤدي إلى تدمير الأسر وخراب بيوت البعض.
نعمان إبراهيم حميشة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار