الوحدة 26-11-2022
محاكاة عالم الطفل والقدرة على التعبير عن احتياجاته وأفكاره تتطلب الكثير من المهارة والتأني في صياغة أي عمل إبداعي غايته التواصل مع الطفل والتأثير في عوالمه الداخلية والخارجية المتنوعة، ومن هذا الترابط بين عشقها لعالم الطفولة وخبرتها في التعامل معه بكل احترافية، صاغت الكاتبة ضحى جواد جلًّ أعمالها الموجهة للأطفال، وهذا ما جعلها كاتبة مميزة من جيل الشباب، تكتب قصصاً سردية للأطفال فيها لمسة خاصة، وسيناريوهات ذات أفكار مميزة تخص طفل اليوم ومفردات عالمه، إضافةً إلى قيم تربوية مهمة تطرحها بأسلوب جذاب. الوحدة التقت الكاتبة ضحى جواد، للحديث حول تجربتها الأدبية وتوجهها الخاص نحو الكتابة للطفل، فكان الحوار الآتي:
– حول بطاقتها الشخصية وبداياتها مع الكتابة بشكل عام وللأطفال خاصة، قالت: ضحى أحمد جواد مؤلفة كتب أطفال، قصص وسيناريو ونصوص تعليمية. بدايات الكتابة كانت عندما فتحتُ عينيَّ على الدنيا ورأيت الكتاب بيد والدي؛ تعلمت في البيت قراءة وكتابة عدد كبير من المفردات قبل الدخول إلى المدرسة، ودخلت المدرسة في سن الخامسة. وفي كل مرة كان والدي يأخذني إلى مكتبة المدرسة كنت أخرج منها ويداي الصغيرتان لا تستطيعان أن تحيطا بجميع القصص التي اخترتها، كنت سعيدة بها وكأني أحمل كنزاً! كما أتذكر أنني في كل مراحل المدرسة كنت أقرأ نصوص وأشعار كتاب القراءة من اليوم الأول الذي أستلم فيه الكتاب. وربما كان للاستعداد الجيني أيضاً الدور الهام في تطور العامل اللغوي والأدبي؛ فنشأت من عائلة علم وأدب، والدي وأعمامي جميعهم من مربّي الأجيال، فيهم العلّامة الفقيه والأديب والشاعر. والأهم كمية الحب والحنان التي أغدقها والداي عليَّ كانت ومازالت كافية لتمدني بطاقات إيجابية عجيبة. ظهرت ميولي الأدبية بداية في كتابة الخواطر والنثر والقصص القصيرة، وأمَّا الكتابة للطفل فجاءت لاحقاً بعد أن أصبحتُ أمَّاً؛ وكانت قراراً وليست مصادفة، وذلك لمّا أدركت أهمية مرحلة الطفولة في بناء شخصية الإنسان وتوجيه سلوكه وما سيكون في المستقبل، ودور القصة الكبير في تنشئة الطفل؛ فبدأت أهتم بكل ما يوجّه للطفل، وآمنت بضرورة وجود أدب يليق بالطفل ويحترم ذكاءه وبدأ التحدي الأول مع نفسي: هل أستطيع الكتابة للطفل؟ كتبت عدة قصص ثم وجهتها للهيئة العامة السورية للكتاب ومجلة أسامة فقوبلت موهبتي بالاهتمام والتشجيع واستمريت في الكتابة مع دراسة أدب الطفل والعمل على تطوير أدواتي وعندما حصلت على المركز الأول في مسابقة القصة القصيرة الموجهة للطفل التي تقيمها وزارة الثقافة شعرت بالقلق وحجم المسؤولية الكبير قبل الشعور بالفرح! وهذا الشعور رافقني في كل نجاح تلا ذلك وهذا ما دفعني للمزيد من التعلم والعمل الحثيث في مجال أدب الطفل وكأني في سباق مع الزمن! ولم يكن الدرب أمامي معبّداً مفروشاً بالورود الجميلة كما يعتقد البعض؛ بل كان مليئاً بالحفر، وما أكثر الأشواك الحادة والحصى القاسية التي أدمت قدميّ ومع ذلك تقدمت على الرغم من كل المعوقات وأنا سعيدة جداً لأني أمشي على الطريق الصحيح، وهدفي أن أحيك بخيوط الحب قصصاً دافئة تقي الأطفال شيئاً من صقيع هذا العالم الآخذ بالتصحر… ويبقى الفرح الأكبر حين يصلني إعجاب الأطفال بقصصي، وأرى دهشتهم الجميلة ولمعة الفرح في عيونهم، وابتساماتهم الصادقة! – وعن المعايير التي تعتمدها في نتاجها الأدبي الموجه للطفل، قالت : هناك مجموعة من المعايير تحكمني في الكتابة للطفل وهي معايير تربوية بعيداً طبعاً عن دور الواعظ والأسلوب المباشر، ومعايير نفسية فمن المهم معرفة الخصائص الجسدية والنفسية لكل مرحلة عمرية، وأيضاً هناك معايير أدبية وفنية فالموهبة لا تغني عن الدراسة فمن الضرورة معرفة الأجناس الأدبية والأصول الفنية والأدبية لكل جنس أدبي. ورشة العمل التي قدمتها مؤخراً للتدريب على الكتابة للطفل برعاية وزارة الثقافة مديرية ثقافة الطفل في اللاذقية كانت فرصة جيدة لتجميع وتنظيم وتبويب أفكاري وحصيلة ما تعلمته واكتسبته من مسيرتي الأدبية، ووضع الشيء الكثير منها بين يدي المتدربين كخريطة طريق تضعهم على الدرب الصحيح وفيها نقاط علّام تضيء لهم فترشدهم وتختصر عليهم كثيراً من الوقت والجهد، وما عليهم إلّا أن يمضوا في هذا الطريق ويعملوا بكثيرٍ من الجد والمثابرة ليصلوا إلى ما يطمحون ونطمح له. أمَّا عن الورشة التي أُقيمها للصغار لتعليم كتابة السيناريو (القصص المصورة) فهي كلام آخر باختصار هي فسحة إضافية من الجمال! – وحول أهم أعمالها، قالت : جميع الإصدارات التي صدرت لي مهمة على الأقل بالنسبة لي لأنّها لم تأتي مصادفة أو نتيجة للحظ إنما نتيجة لعمل وتخطيط ومثابرة وجهد كبير جداً؛ فالكتابة ليست بالأمر السهل وخاصة الكتابة للطفل. وأفخر بكل الأعمال التي قمت بها لكن من الانعطافات المهمة وصول كتابي “رحلة دافئة ملوّنة” /إصدار دار أشجار/ للقائمة الطويلة للمرشحين لجائزة الشيخ زايد للكتاب عن فئة أدب الأطفال والناشئة وهي من كبرى الجوائز العالمية قيمةً وقدراً. – وعن التحديات التي يواجهها هذا النوع من الأدب الموجه للأطفالِ، قالت : يواجه كاتب الأطفال تحدّيات وصعوبات كثيرة، فمعظم كُتَّاب الأطفال في بلدنا ليسوا متفرّغين للكتابة؛ فلديهم أعمال أخرى لكسب الرزق، والكاتب أحوج ما يكون إلى الشعور بالارتياح المادي والجسدي والنفسي ليبدع، فهو في النهاية يبني وطناً. وأما التحدي الأكبر فهو الإغراءات التي يقدمها هذا العالم المتسارع لأطفالنا؛ فقد أتاحت التكنولوجيا المذهلة للطفل عوالم كثيرة مبهرة، وخيارات لا نهائية، يكفي أن يمرر طرف إصبعه على الشاشة حتى ينتقل إلى عوالم شتَّى! ومع ذلك فبرأيي أنَّه أجمل تحدّي لأنَّه يجعل الكاتب في حركة مستمرة من البحث والعمل الدؤوب لتطوير أساليبه بما يتماشى مع طفل اليوم؛ وهذا ما يجعلني أُشبه الأطفال في حبِّ الفضول والشغف للتعلم والمغامرة وخوض تجارب جديدة، وفي حيويّة مستمرة، واطمئنان أنَّ الطفلة التي بداخلي لن تغادرني أبداً.
ريم ديب