الفـــن التشـــكيلي.. ســـيرة بطولـــة وانتصــــار

العـــــدد 9335

الثلاثـــــاء 16 نيســـــان 2019

 

الفنون جميعها تحمل إرث الشعوب والحضارات وأيامها وتاريخها، وتمسح عن الروح غبار الحياة اليومية، والفن التشكيلي أحد أرقى الفنون الإنسانية كونه يرتبط بإيقاع الحياة والناس، ويتناول مواضيع تدغدغ ذائقتهم وتلهب مشاعرهم ويعكس حالات الحب والفرح والألم والجمال التي تعتريهم.
سورية بوابة الشرق ومهد الحضارات، والشعب السوري أهدى البشرية فنوناً ثقافية وحضارية والحضارة تألقت دائماً على الأرض السورية بينما كان أغلب العالم يعيش في غياهب ظلمات الجهل والتخلف، والفن التشكيلي لغة عالمية لا تحتاج إلى ترجمة وتشكل لغة حوار وتبادلاً ثقافياً بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، والفن التشكيلي السوري حقق عبر سنوات طويلة حضوراً عربياً وعالمياً لافتاً ونال مكانة مرموقة بين فنون الشعوب من خلال إبداعاته وتفوقه وامتداده وتألق فنانيه الذين قدموا مختلف أشكال التعبير الفني عن حضارة عمرها آلاف السنين.
كانت أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين بداية ظهور الفن التشكيلي السوري بمفاهيمه الحديثة، والحركة التشكيلية السورية تشهد تطوراً متسارعاً من حيث الإنتاج والعرض ما يُظهر قدرتها في رصد الواقع وتجسيد الحضارة وعراقتها، وبراعة الفنان السوري وحرفيته العالية التي تضاهي في تقنياتها المحترفات العالمية وصارت دائمة على خارطة الفعاليات والنشاطات الثقافية الرسمية والخاصة، والقاسم المشترك بينها جميعاً هو الأصالة والعراقة وحب الوطن وهموم الشعب وتداعيات الحرب المجنونة.
الفنان التشكيلي يصوغ اللوحة ويسكب فيها انفعالاته التي تجسد الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي الذي يعيشه المجتمع بمواضيع تلهب حماسه، والفنان السوري صاحب ذوق بصير بمواطن الجمال وقدرة فذة على تتبع أسراره وجوهره الخبيء عبر التجريد والواقعية والتعبيرية، والألوان تتماوج وهي تغزل الآراء والأحداث والحكايا في فروع النحت والرسم والتصوير والبرونز والرسم على الزجاج والجبس والرخام والخشب، واستطاع أن يحقق حضوراً لافتاً إلى الساحة العالمية من خلال جودة وقيمة اللوحة ومواكبتها لتطور الفن في العالم وحصل على العديد من الجوائز العالمية.
اللوحة تبرز قدرة الفنان ومهارته وتعدد المدارس والتيارات الفنية التي ينتمي إليها والرغبات المكبوتة، وإظهار حالة الوجع والألم حيال مجتمعه وما يعانيه في ظل هذه الأوضاع العصيبة من إرهاب وتسطيح للعقل وتغييب للفكر والقيم والأفكار عبر تجسيد الدلالات الواقعية والبصرية ورؤية إيقاعات الوجوه المفجوعة والموجوعة والمنكسرة عبر عناصرها التشكيلية القادمة من حرائق المدن والقتل والدمار الداخلي والخارجي بفنية عالية والقبض على ميكانيكية الزمن بما يتيح رؤية الحياة الداخلية للذات بمعزل عن العالم الخارجي، وتتداخل الدلالات اللونية بين رموز الموت والخراب والدمار ورموز الحياة والولادة الجديدة وتتداخل الأحاسيس والرغبات والهواجس بتفاصيل وإشارات ودلالات لا يعرفها إلا من يتقرب منها ويغوص في أعماقها.
الفن سلاح للمقاومة والتجدد، ورؤية أكثر انسانية للقضايا في وجه التعصب والجهل والنفاق الفكري والزيف في عقول كالدّمى المتحركة لا إشراق فيها، وفي أرواح لا أجنحة لها.. علينا تسليط الضوء على مسيرة الفن التشكيلي السوري منذ القديم وحتى الآن وإنعاش مسيرته وإخراج النتاج الإبداعي من أروقة التخزين ليكون متاحاً أمام الجمهور ومحبي هذا الفن الذي يحتاج إلى كتابات النقاد لمعرفة جودتها وقيمتها الإبداعية ، وللارتقاء بالذائقة الفنية، بسبب طغيان الذائقة والذوق الأدبي على الحسّ البصري، وكما قال أحد النقاد: (ستبدأ الإنسانية بالتحسن عندما تأخذ الفن على محمل الجد كما الفيزياء أو الكيمياء أو المال).
كلّ الرسامين كانت لهم بدايات فقيرة متقشفة.. بابلو بيكاسو أول هجرته إلى فرنسا رسم لوحات غلب عليها اللون الأزرق، ورأى النقاد سبباً واحداً لمرحلته الزرقاء تلك (إن فقر المهاجر الجديد يمنعه من شراء ألوان أخرى)، كما أن الفنان فان غوغ رسم أكثر من لوحة لحقول الشمس لأنه لم يكن في حوزته سوى اللون الأصفر.

نعمان إبراهيم حميشة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار