الوحدة: 2-11-2022
المذهب السوريالي, فن الخروج عن المألوف, وقد سماه بعض النقاد بالفن المضاد, ويقوم على تقديم المفارقة المدهشة وإدخال أمور غير معقولة ولا تخطر على بال لشد المشاهد ولفت انتباهه, ورسم الأشياء كما تشاهد في عالم الرؤى والأحلام بأوضاعها الرمزية الغامضة, أو إدماج اللاواقعية بالواقع والانتقال بالعمل الفني التشكيلي من الوضوح والرؤية الصريحة إلى الغموض والإبهام, وهو فن يصعب تقليده يزاوج بين ما هو واقعي مستقى من الحياة اليومية وأشيائها.
وما هو غريب عنها, وتتجاوز عتبة الواقع باتجاه الغامض الغريب مع الأصداء الغامضة المرافقة للصورة بما يحدث الصدمة السوريالية… كان سلفادور دالي يتبجح: (لوحاتي تنبأت باكتشاف الذرة والشيفرة الوراثية).
يعتمد الفن السوريالي على المفارقة المضحكة لغرابتها ولا معقوليتها وتصوير الأشياء على نحو يناقض طبيعتها لتبدو مضحكة أو مستحيلة, والسورياليون يستخدمون ثقافة التحليل النفسي وتقنيات مشبعة بالخيال وخداع الحواس باجتماع عناصر وأجواء ما كان لها أن تجتمع لولا ريشة السوريالي, أعمال تقودنا إلى متاهة غامضة من التخيلات والعقل يتمادى حتى يمارس الجنون وأسرار السحر تنفث معانيها, حيث السفر في قلب الغموض الكثيف وغيره من المناطق المحظور الدخول إليها في الوعي واللاوعي.
الفنان السوريالي صاحب عين مفرطة في حساسيتها شفافة في رؤيتها, تتأثر بأبسط الأشياء وتستطيع أن تدير الأشياء وتقلبها بالشكل الذي تشاء, يرسم ما يدركه العقل من رسوم يبتدعها خياله الجامح بدلاً من الاقتصار على ما تراه العين, يرى في خياله خيلاً , والمتاهة الغامضة من التخيلات تقوده إلى أعمال غريبة, وأغلب الفنانين السورياليين اشتهروا بتجاوز المألوف على المستويين السلوكي والإبداعي والخروج عن القاعدة في العادات والطبائع والممارسات اليومية ما يعطي انطباعاً بالغرابة والشذوذ عن السائد والرغبة في تحقيق الحرية الكاملة وتبرمه بالواقع وانقلابه عليه وتحدي المجتمع ورفض سننه وأعرافه والاشتغال على مواضيع تثير مشاعر الرفض وإيقاظ المشاعر المرضية الأكثر حطة ما يوصل الفنان في اندفاعاته إلى تخوم الجنون…
جالا المرأة الروسية الفاتنة وقع في غرامها طاقم من الفنانين السورياليين الكبار، وقد وصفها زعيمهم أندريه بروتون (غول السوريالية الكبير)..
بالمرأة الخالدة, وقد أحبها سلفادور دالي وقرر خطفها من زوجها الشاعر الفرنسي بول إيلوار لحظة رؤية ظهرها العاري في البحر صيف 1949, ثم تزوجها الفنان الإسباني الكاتالوني سلفادور دالي، نبذه السورياليون أنفسهم بسبب بخله الشديد وحبه للمال ومواقفه السياسية المشينة, (1904-1989) انتقل إلى باريس في نهاية العشرينات لينضم إلى السورياليين ثم انفصل عنهم ليواصل طريقه, من أكبر وأشهر فناني القرن العشرين صاحب فردية طاغية وجنون معلن وإبداع لا يحد، صاحب جنون العظمة والهذيانات المفتعلة والتهريج الطوعي والنرجسية الاستعراضية والملبس الغريب والعصا المرافقة وطبعه الاستفزازي وصوته الهستيري المرتفع وكان محافظاً رجعياً في السياسة وقلب المواقف استلهم صوره الغرائبية من الكوابيس، غريب في مظهره الذي يشبه المهرج أو لاعب السيرك، أو طريقة قص شاربه أو الهبوط إلى معارضيه من السقف، تصرفات تشير إلى الغرابة والجنون وكسر الأعراف، وقد سمي (بفضيحة تمشي بقدمي رسام عبقري) أبحر عميقاً وبعيداً في عباب محيط السيكولوجيا البشرية والاشتغال على مخاطبة نفس المشاهد بلوحات غامضة تحوي بعداً واعياً ليس من السهل قراءته واكتشافه، والتعبير عن غرابة عالم الأحلام الذي يعيش داخل ذهنية الإنسان، واستخدم في رسوماته الشهيرة آكلة لحوم البشر لإثارة المشاعر الإنسانية الأكثر حيوانية وتوحشاً والاضطرابات النفسية الأشد قوة ومرضاً ودناءة، ومن أقواله المأثورة، (لكي ترسم يجب أن تكون مجنوناً) . ذات مرة لم يحضر دالي افتتاح معرض له، لكن بعد دقائق فوجئ الحاضرون بدخول أربعة أشخاص إلى القاعة وهم يحملون تابوتاً وحين وضعوا التابوت على الأرض قفز منه دالي ضاحكاً ملوحاً بعصاه.
نعمان إبراهيم حميشة