الوحدة : 30-10-2022
كابدت سورية أياماً عصيبة إبان الحرب الظالمة، الوحشية ضد هويتها و وجودها.
حرب ضروس، واجه فيها الجندي السوري آلة الحرب و التآمر لمحور الشر بقضّه و قضيضه. لم يبخل هذا الجندي الاستثنائي بالغالي والنفيس في سبيل منعة وكبرياء وكرامة هذي الأرض الطيبة، العظيمة.
التي بزغ من بين ظهرانيها نور الحضارة الأولى للعالم كله منذ فجر التاريخ. فكان حريّ بكل ذي قلم وفيّ لهذا الوطن الشامخ أن يدوّن اللحظة وفاء و إكراماً لهذا الجندي الاستثنائي ببطولته، وانتمائه الوطني اللامتناهي.
لتبقى حروفاً من ذهب منارة للأجيال القادمة، وقيمة توثيق هذه البطولات ليست بالقليلة في مسيرة عطاء هذا الشعب الأبي الصامد، الذي قاوم الشر والوحشية، وقدّم للعالم صورة عنفوان وبطولة قلما تكررت عبر التاريخ. وهذا ما بدا جلياً في كتاب ” العناقيد الأخيرة” للكاتب وليم عبد الله الذي صدر مؤخراً، وهو كتاب يتناول في صفحاته قصصاً حقيقية من الحرب السورية، كان قد أصبح جاهزاً للطباعة منذ العام 2017 ولكنه لم يرَ النور إلاّ في العام 2022 أي بعد خمس سنين من إنجازه.
تمّت طباعة الكتاب في دار دلمون الجديدة للنشر وبدعم من مؤسسة أحفاد عشتار المهتمة بهذا العمل التوثيقي، كما كتب مقدمة الكتاب الباحث والكاتب “نارام سرجون” وقامت الأديبة نهلة السوسو بإضاءة على الكتاب أثناء حفل التوقيع الذي جرى في مركز أبو رمانة الثقافي بحضور عدد من الإعلاميين والأدباء ونخبة من المهتمين في المجال الثقافي.
يتناول الكتاب حوالي ستين قصة توثيقية من الحرب السورية، وعن بداية فكرة كتابة هذه القصص، وطريقة معالجة المعلومات وصياغتها، التقينا الكاتب وليم ليحدثنا عن كتاب العناقيد الأخيرة:
ولدت فكرة التوثيق منذ سنين الحرب الأولى وتحديداً في عام 2012 عندما بدأت الحرب تأخذ منحىً لا يبشر بالخير ولا ينبئ بنهاية قريبة لها وبنفس الوقت كان من الواضح أنّ الهدف الأهم للحرب على سورية هو ضرب هويتها و تدمير تاريخها قدر الإمكان، لذلك كان لابُدّ في مثل هذه الحال الإسراع إلى توثيق ما يحدث والحفاظ على الهوية المهددة بالتشويه.
وتابع الكاتب وليم قائلاً: كان التوجه لتوثيق قصص الجنود هو الطريق الأفضل لحماية الهوية السورية، فكل قصة من قصصهم تحتوي على تضحية وإيثار وذكاء و أمل ودليل كبير على عمق الانتماء لهذه الأرض، وهذا ما كان يسعى العدو لإخفائه عن العالم عن طريق التشويه الإعلامي الممنهج للجيش وعن طريق ضرب كل الآثار التي يمكن تدميرها على يد عصابات الإرهاب.
كنت كغيري من الناس أسمع عن قصة بطولة قام بها أحد الجنود أو مجموعة من الجنود، فأسعى خلف القصة لأعرف تفاصيل أكثر، كنت أركز على البحث في منحيين، المنحى الاجتماعي والمنحى العسكري، يعني أنني كنت أبحث في حياة الجنود الاجتماعية وعلاقتهم بالوسط المحيط ومع أهلهم، وبعدها كنت أبحث في حياتهم العسكرية وتفكيرهم القتالي وتخصص كل شخص منهم.
قبل أن أكتب أي شيء يتعلق بالمعركة، كنت أكرّس الوقت للبحث في آلية استخدام الأسلحة المذكورة، ففي القصة، وهذا شيء مهم للبناء الدرامي، فأن يكون الجندي يستخدم “صواريخ الميتس” كما هو الحال في حكاية الشهيد باسل قرفول الذي فجر أربع مفخخات ومنعها من دخول حلب، يختلف عن الجندي الذي يستخدم رشاش من نوع BKT على سبيل المثال. كما هو الحال في حكاية “حقل آراك للغاز مع الأبطال ناصر بكداش و محمد ياسر بلال.
الأمر متعب نوعاً ما، ولكن بسبب الاهتمام البالغ بهذه التفاصيل أخذت القصص التي أكتبها مصداقية أكبر لأنني أعرف كيف أصف المعركة، وأربط أحداثها بعضها ببعض، وبنفس الوقت، عمدت إلى الأسلوب الدرامي بقص القصص، وابتعدت عن الطريقة الإخبارية، والهدف كان أن أشد القارئ لقراءة القصة ويستمتع بها، وهكذا يجد القارئ نفسه أمام قصة من نوع لطيف في السرد قريب للقلب والعقل، هو يستفيد من حيث المتعة وأنا أستفيد من حيث نجاحي بإيصال المعلومة التوثيقية التي حدثت في تلك المعارك، فلو نشرت كل شيء كأنه نشرة أخبار لانفضّ القرّاء بعد فترة بسبب الملل الذي سيسيطر عليهم، وأعتقد أنّ هذا الأسلوب هو الذي ميّز قصصي منذ بداية الحرب وحتى الآن.
وختم قائلاً: كتاب العناقيد الأخيرة هو الأول وليس الأخير، الآن أقوم بالتحضير للكتاب الثاني، وأعتبر الكتاب الثاني الجرعة الأكبر من حيث كمية القصص ومواضيعها الموثقة، وسيكون بالكتاب الثاني قصص من مشفى الكندي وهي قصص ستظهر للمرة الأولى للناس بالإضافة لقصص أخرى مهمة للغاية كقصة الجنود الأربعة الذي حموا حقل آراك للغاز وحدهم بمواجهة مئات الإرهابيين الذين حاولوا السيطرة على الحقل.
نور محمّد حاتم