قـــــــــراءة في المجموعـــــــــة الشـــــــعرية «لا توقظوهــــــا ..حالمـــــة» للشاعر منذر يحيى عيسى
العدد: 9333
الأحد-14-4-2019
يقول الشاعر محمد حديفي في تقديمه للمجموعة ( أن تدخل الكون الشعري للشاعر منذر يحيى عيسى يعني أن تتزود بالكثير من الأجنحة، كي تستطيع اللحاق بخيال هذا الشاعر المحيّر، والمربك في آن معاً… بدءاً من العنوان الذي اختاره لمجموعته الشعرية وهو ( لا توقظوها حالمة).
* إنَّ الشاعر منذر يحيى عيسى شاعرٌ مرهف الحسّ والحرف، ماهرٌ في ترويض الكلمات وفنانٌ بارعٌ في رسم الدهشة في لوحاته الشعرية فهو يمتلك ريشة سحرية وأستطيع أن أشبهه ببحّارٍ شجاع لا يخشى مجابهة الريح والطوفان ويقود دفّة مركبه نحو برّ الأمان بكلّ اقتدار ومهارة.
لقد استطاع الشاعر أن يبحر بنا من خلال قصائده وحروفه إلى فضاءات من السح، أفرحنا تارةً وأبكانا تارة أخرى، وحلّق بأرواحنا في عالم الجمال والحيرة، جمال الصور البديعة وحيرة المفردات الرشيقة وجزالة معانيه الرقيقة .
* يقول في مطلع قصيدته ( مرافئ دافئة لنوارس عاشقة) ص :39
في هدأة الليل وبعد الهزيع الأخير
يواصل القلب ببن الضلوع الصهيل
فتورق حمرة الشفاه اشتهاءً
تشتعل في ضلوع الشاعر براكين الشوق ويقلقه وجيب خافقه الصب التَّعِب وتزدحم في ذاكرته صور الماضي الجميل، فهذا الشوق الملتهب لمطارح ما برحت خياله وأشعلت نبض وريده بالأماني والأحلام، فأزهر عمره بالفرح وأورقت قصائده بوحاً وقبلاً بعد عطشٍ طويل وهدأ ضجيج روحه المزمن .
* يقول في قصيدة ( هجرتي الأخيرة) ص: 47-48
هي مرفأ آمن
يستقبل قطع السحاب
والطيور الهاربة من نهارٍ بخيل
إلى مدنٍ وادعة
ومنارةٍ تهدي مراكب الأيام بعد شتاءٍ طويل
هي زهرة الليل وقد كسرت عتمة الدروب
ولامست كفّ الغريب
في هذه القصيدة يسافر بنا الشاعر إلى مطارح وأمكنة سكنت وجدانه الحالم وتجذّرت في شرايينه والنبض، هذه الأمكنة التي تضج بالفرح والحب ويشتعل فيها العشق والسهر ويسعد قلب الغريب بعد أن أضنته ليالي الانتظار وشرّدته عتمة الدروب، ويدفأ العاشق وينعم بالراحة والطمأنينة بعد أن استباح الصقيع جسده الهزيل وأرّقه هذا الشتاء الطويل والمرير.
* يقول في قصيدة ( الزمن الجميل) ص: 63
نحاول أن نهرب من شغب الطفولة
بتوقٍ لا يقاومْ
ندفع عربة الأيام نحو المحطة المجهولة
نكبرُ فجأةً
حينها ندرك
كم جميلة هي أيام الصخب
حتى ونحن نقترب من النهاية
* في هذا المقطع نلاحظ كيف تداهم الشاعر عواصف الحيرة ورياح الحزن وتقض مضجعه، كما هي الأيام تؤرق ليله وأوقاته فنراه دائم الحسرة من الحال التي وصل إليها والتي عصفت به وبروحه، فهو كلما حاول الهروب من دوامة أحزانه تقف له المحن بالمرصاد وتغلق بوجهه أبواب الفرح، هكذا ليظل يطلق أغنياته واستغاثاته في المدى الفسيح وعلى التخوم يرتد صدى آهاته الحبيسة .
يقول الشاعر في قصيدة ( دفء الصقيع) ص: 137
أيها الصقيع القادم دون مواعيد
من خلف جدران الوقت
لك الشكر والسلام
كلما قسوت على جسدي
أتذكر وجوه أحبة راحلين
فأهاجر والهاً إلى مرابع الحنين…
* قاسٍ ومضنٍ هو الحنين يفتك بنا دون أن نشعر بعمق الجراح، يدمي قلوبنا ويحطم ضلوعنا ويترك أرواحنا تتأوه في عتمةٍ من وجع ويشرّد ذاكرتنا على دروب الليل الكئيب، فالحنين يجبرنا على ارتشاف المرار والوقوف بخشوع بمحراب الوقت فنبقى ننزف بصمت ونظل نشحذ دفء أحبةٍ رحلوا في وحشة الظلام وتركونا نتوه في دوامة غيابهم ونطلق الحسرات لوداعهم الحزين .
يقول الشاعر في قصيدة (عطر الغياب) ص: 202
في غيابكِ
تعبق رائحة عطرك في راحتي
وتجري في مدارات دمي
فيختنق القلب
أدرك حينها
كم جميل أن يستمر هذا الشميم
لأنه أكسير السعادة وملاذي عند التعب…
* رغم الغياب ورغم المسافات مازالت الذكريات عالقة في ذاكرة الشاعر وطيف الحبيبة لا يفارقه وعطرها يتعرّش بثيابه وتفاصيل حياته ولا تكاد تمرّ لحظة إلا ويذكرها، فقلبه الصبّ دائم الخفقان بحبها وروحه دائمة الترحال في فضاءات ذكرها فهي الراحة والسكينة من تعب الحياة وقسوتها وهي المرسى الآمن لأحلامه والحضن الدافئ لانكسارات روحه .
* مجموعة الشاعر يحيى منذر عيسى ( لا توقظوها… حالمة) تستحق الوقوف عندها مطولاً والكتابة عنها عدّة دراسات نقدية لما فيها من الجمال والدهشة، فقد حملت قصائدها هموماً وقضايا عالجها الشاعر بحرفية عالية مبتعداً كل البعد عن التقليد، فقد سلك درباً مغايرة ومنهجاً فريداً في طريقة تناول نصوصه وقصائده، فوظّف إبداعه لكي يصل بمفرداته الباذخة لدرجة تجعله راضياً كل الرضى عن إبداعه ومسيرته الشعرية .
والجدير ذكره أن المجموعة من القطع الوسط تحمل بين طياتها مائة وعشرون صفحة سبعة وسبعون نصاً شعرياً حداثوياً، والمجموعة صادرة عن اتحاد الكتّاب العرب 2017.
حيان محمد الحسن