الوحدة 19-10-2022
تحدث الكاتب نبيل عجمية عن ضيعته قائلاً: تصحو في بيت ياشوط على رائحة الغار والياسمين والحبق التي تعبق في أرجاء الأراضي كلّها وصياح الديك يملأ الدنيا، وكانت تقول الخالة أم إبراهيم (حسوبه) إن سمعتم صياح الدّيك فادعوا الله بما تشاؤون فنظَنُّ أنَّ ذلك الوقت محلّ إجابة. كانت العادة في بلدتنا أن يزرع كلٌّ منّا شجرة ويعتبرها أختاً له وكلّ فرد يستطيع أن يختار من الأشجار ما شاء وأتذكّر يومها كيف ناداني أبي ليسألني عن أيّ الأنواع أشاء من الأشجار كي أزرعها ويومها اخترت الزيتون، ولمَّا سألني عن سبب اختياري ذلك قلتُ له: أبي ألم تقل لي أنّ الزيتون يعيش طويلًا؟
وأضاف الباحث نبيل عجمية كلّ عائلة في القرية تملك قطيعاً من الأغنام والماعز والأبقار يقلّ أو يكثر تبعاً للقوة المالية لكلّ عائلة، وقطعة أرض يذهب كلّ يوم لمُتابعة شؤونها الزراعيَّة ..كانت القرية تصدر كل منتجاتها إلى المدينة (الزيت والزيتون والتين واللبن واللبنه والجبنة والصابون والبصل والحبوب والسمن والبيض والدجاج والجلود والخضروات والفواكه الخ )… أين نحن منها الآن ؟؟؟ كنّا نستيقظ في كلّ صباح مع صياح الدّيك عندما تقترب الساعة من الخامسة فجراً وكانت أمي كأي إمرأة ريفية تأوي إلى تنورها فهي تُسرع في إنتاج عملية الخَبز حتى نستطيع تناول الخُبز الطازج التنوريّ، لقد كان يقتصر طعامنا على اللّبن الرّائب الذي تصنعه أمي من الحليب فقد كانت تضعه كلّ الليل في”الكمرة” كما كانت تُسمّيها ومن ثم تُبرده .. وبعد ذلك يصلح للطعام ولا بدَّ من وجود الجبنة البيضاء مع الزيتون الذي ننتجه من أرضنا والمكدوس الذي تعده جدتي حسنا والذي تتحدّث عنه الضيعة بأكملها. ثم يحين وقت الضُّحى فنذهب للّعب مع الأصدقاء بالكرة، وننقسم عادة إلى فريقين وأكثر شخص يكون مدعوماً في هذه اللعبة هو صاحب الكرة لأنّنا لا نستطيع أن نلعب دون أن يلعب معنا وإن لم يرد فسنتسكّع في زواريب القرية نلعب ببعض الأحجار المُتناثرة هنا وهناك، ثم نأوي في الظّهيرة إلى البيت لنحمي رؤوسنا من حرقة الشمس القاسية وكانت تكتفي والدتنا بإرسال التهديدات التي اعتدنا عليها أنَّها ستُخبر والدنا بما نفعله وسنُجازى بأقصى العقاب ولكنَّ شيئاً من ذلك لن يحدث….. الريف يحصد قمحه وأهله يحصدون الحب لقد كانت الألفة والمحبة هي عنوان الحياة في الريف، لقد تقاسمنا معاً خبز الحب في تلك الآونة كنَّا نأوي إلى فراشنا عند غروب الشمس وتُطفئ والدتي ضوء الكاز (نمرة أربعة)نبدأ بعدها بالتسلل إلى القسم الذي تبيت به جدتي لتبدأ أمّ أحمد حكاياتها وعلى رأسها منديلها الحرير لا أذكر أني رأيتها (خالعة) له سوى مرّة أو مرّتين ..تقصّ علينا حكايات شتّى عن غول الغابات ومغامرات السندباد وجزائر الواق واق. أمَّا عن سبب تسمية قريتي بهذا الاسم فهو يعود إلى زمن بعيد فيُذكر أنَّه ما من مارّ على القرية فيدخل إليها إلّا ويقال له اتفضل على بيت ياشوط ويتسابق النَّاس حتى يأخذوه إلى بيت الرجل الكريم وأخذت الضيعه اسمه وأصبحت تعرف بهذا الاسم بيت ياشوط ( هكذا تقول الحكاية الشعبية )، أما الحقيقة التاريخية فتقول أن ياشوط لا يعرفه أحد ومعنى ياشوط هو الخصيب أو المخصب بالآرامية.
نسيم صبح