م. وصال يونس في «فتح كتاب»… كتاب سوري مفتوح لملتقى ثقافي نوعي

العدد: 9332

11-4-2019

لحقائق الحياة توكيد، ولمنطقها دلالة، ومع هذا مازالت الشمس في تطوافها كلّ إشراق تستنهض استفهامات متعددة، تتلون مفردات تشكيلها، تتكاثر وتتناثر عبر تواقيتها، يغدو لكلّ زائر قراءة تبحث، ووعي يدرك، وإن اختلف تعداد الصفحات على مساحات الزمن، يبقى في النور استبصار كي يفهم ويستقرأ هذا المحيط.
القراءة هي دروب المعرفة التي نسلكها في المسير، وهي بوابة اللقاء على الآخر أينما كانت أرضه وأينما كان زمانه، فالقراءة وصل روحي مستمر وباقٍ ما بقي هذا الإنسان لأنها روحه التي يسطرها على رحلته، وقلبه الذي يتركه عند بوابة…

 


لهذا كانت ومازالت القراءة في مراحلها المختلفة هي الوجه الآخر لنا، هي مكاشفة وعوضٌ وترحال تختلف معها كل المعايير ليبقى الإنسان هو بطلها الأول والأخير..
من أهمية القراءة وفعلها المؤثر، ومن المفارق الشخصية والعامة التي مرّت بها سورية كان للقراءة حضور أنيق وواعٍ وفاعل لمجموعة من المثقفين السوريين الذي آمنو دوماً بأن العقل سيبقى يقظاً بناءً طالما الكتاب لايزال يُفتح.
(فتح كتاب) هو كتاب سوري أصيل، تتنوع عناوينه كثيراً، وتتبدل مع سطوره حكايات ولكن بوصلة القلب لها اتجاه واحد وحيد هو سورية الحضارة.
هذه المجموعة بإيمانها الصادق بأهمية القراءة، أبتْ إلا وأن تظلّ تفتح أبواب الأغلفة تنقّب عن المعرفة الأصيلة وتنثرها على الملأ، أملاً بالإنسان وحده…
(فتح كتاب) هو ملتقىً لمجموعة سورية مثقفة، تعي أهمية القراءة ودورها الفاعل في بناء العقل دوماً، حول هذه الفعالية النوعية ونشاطاتها كان هذا الحوار مع (م. وصال يونس).
* كسيدة سورية، كيف يمكن أن نعرف القارئ بك وبنوعية نشاطاتك؟
أنا مهندسة أعمل في مؤسسة الإسكان العسكرية، إيماني بالمجتمع المدني وفاعليته جعلني أنشط وبشكل مكثّف منذ عام 2011، حيث كانت البداية في العمل المجتمعي بما سمّي (شارك وطنك) وهو تجمّع حواري تطلّبته بداية الأزمة آنذاك، تبنته جمعية الأطفال العمومية في اللاذقية، فتح مجال النشاط أكبر للمشاركة في العمل (إدارة مكتبة، إشراف) لمدرسة مسائية للوافدين في المدينة الرياضية عام (2013-2014) حيث كان طاقم العمل مؤلف من 60 متطوعاً من اختصاصات مختلفة وكان بها حوالي ما يفوق ال1000 طالب من المستويات العمرية المختلفة من الحضانة إلى مرحلة الشهادة الإعدادية وهو ما تبنّته فيما بعد مديرية التربية في اللاذقية حيث تابعت مسيرتها وإشرافها، وكان لي نشاط ومشاركات متعددة مع مختلف الجمعيات الأهلية في اللاذقية أهمها (مكتبة الأطفال العمومية) ومع جمعية (موزاييك) للإغاثة وجمعية (مدى) للاهتمام بالمرأة فقد كان لي فيها محاضرات ثقافية ومحاضرات تنمية، وآخر هذين العامين تم التركيز على مبادرتين الأولى موجّهة لمركز ملاحظة الأحداث في اللاذقية وهو (مشروع مرخّص من مديرية الشؤون الاجتماعية) تقوم به جمعية مكتبة الأطفال العمومية وأشرف عليه منذ سنتين وهو عبارة عن جلسات أسبوعية، كل أسبوع نكون مع متطوعين مختلفين بالتشارك متطوعين ومعاهد متعددة لتقديم الدعم المهني والنفسي والثقافي للأحداث، كان عدد الأحداث هو 60 حَدَثْاً هو عدد يتغير كل فترة، لأنهم متجاوبون جداً وقد قدّمنا في المراحل الأولى من المشروع تعليم مهني (حلاقة- أعمال يدوية- شك خرز- وصناعة اكسسوارات) وقد قدّم (معهد إيكارد) ومعهد (تنامي ترين) دورات في التنمية البشرية والحرف وكل هذا المشروع تحت رعاية جمعية مكتبة الأطفال العمومية باللاذقية، ومازالت هذه النشاطات مستمرة.
* مالذي يدفعك وأنت العاملة في الشأن الهندسي إلى هذا الجانب التطوعي المُجهد؟
أنا بطبعي أبحث عن العطاء المتمّيز عموماً ينغرز في المجال المجتمعي الثقافي وهو ما أخذ إطار في نشاطي الأخير المستمر منذ سنتين والمسمّى (فتح كتاب).
* ما هي النوعية والسوية الثقافية للمشاركين؟ وكيف كانت البداية؟
هي سورية نخبوية، أغلبهم من الأشخاص بمهنٍ عاملة في المجال الثقافي في اللاذقية، بدأنا لمدة عام كامل بالإضاءة على أسماء الأدباء السوريين حصراً.
* لماذا كانت البداية مع الأدب السوري؟
حق الأديب السوري علينا جميعاً أن نضيء على اسمه وأعماله وحضوره الفكري بيننا كسوريين أولاً ولإبراز الأدب السوري وأهميته على الساحة الثقافية الوطنية والعربية لذلك كان النشاط محلياً في البداية إلى أن تطوّر بعد انطلاق نشاطه على مواقع التواصل الاجتماعي ليكون لنا حصيلة من الأعضاء تفوق الـ 1000 مشترك في الصفحة معظمهم من الأدباء من سورية ومن مختلف البلدان العربية وحتى المغتربين في الدول الأجنبية.
* ما هي ميزات هذه الصفحة وطبيعة عملها كرديف لكم؟
الصفحة تهتم دائماً بتغطية كل عنوان مقرر، حيث يكون النقاش مفتوحاً حول العمل المقرر والموضوع المطروح في حالة التلاقي الثقافي الفكري.
* كيف يتم اختيار عناوين الجلسات، وهل هي دورية بزمن محدد، وكيفية إقامتها وعدد المشاركين؟
هذه الجلسات دورية ومنذ سنتين، نقوم في السبت الأول من كل شهر الساعة الثالثة ظهراً بالاجتماع واللقاء في قاعة مكتبة جمعية الأطفال العمومية، وقد بدأنا بـ 20 مشتركاً ومهتماً إلى أن وصلنا إلى ما يفوق الـ 35 مشاركاً، مع ازدياد العدد بشكل دائم.
* كيف تقيّمين الحضور والجو العام لـ(فتح كتاب)
أقوم بإدارة الجلسات وأحرص دائماً على جوّ هادف ديمقراطي، يليق بالحضور وشخصياته، والعمل المطروح مما يعبّر عن توجهاتنا وشخصياتنا مع الحرص على ضوابط سلوكية اتفقنا عليها جميعاً، تستمر الجلسة ساعتين بجوّ هادئ وراقٍ نحلقه جميعنا.
* هل تقومون بنشاطات أخرى في هذه الجلسات تنصب بالعمل الثقافي؟
نعم على هامش (فتح كتاب) أحْيَينا طقوس توقيع الكتب التي تتمّ في نفس المكان، وهذا ما شجع العديد من الأدباء ممن يصدرون كتبهم لإقامة حفل توقيع إصداراتهم الجديدة، ضمن هذا الكادر الثقافي الموجود في هذا الملتقى، وقد أقيمت ورشة (نهج) للكتابة الإبداعية التي قدّمها الأديب الحر غزال والذي هو عضو ناشط في ملتقى (فتح كتاب) هذا كله أطفى جوّاً خاصاً إنسانياً وفكرياً لافتاً.
* في مجتمعاتنا الشرقية والعربية والتي توصف بأنها مجتمعات أميّة، تزداد فيها نسب الجهل، كيف يمكن خلق مفهوم القراءة وتعزيزه؟.
هذه النشاطات تعزّز وتساهم في ترسيخ أهمية المطالعة للشعوب، القراءة هي معرفة وإمتاع واتساع أفق، واقتراب من الآخر، والأهم فيها هو حالة التواصل الإنساني الثقافي وهو ما يحفّز كافة الشرائح في حالة محببة للقراءة.
* في طباعة الكتب وإصدارها، مازالت النسب العربية هي نسب متواضعة، مخجلة ومؤلمة، كيف ترون موضوع القراءة ضمن هذه المساحة الضيقة من الإصدارات العربية؟.
الموضوع له شقان، له عوائق اقتصادية من ناحية الطباعة والنشر وعوائق تتعلّق بالتوعية وهو ما نعمل عليه للنهوض بمجتمعنا ما أمكن، بحيث يكون هذا النشاط رافدان لكل حالة ثقافية ولو كانت الأمور بشكلها المبدئي في محافظتنا اللاذقية.
* للقراءة وجهان: وجه توجيهي ووجه توعوي.. في ظل مناهج دراسية لا تواكب وتتماشى مع المستوى العلقي للدارس، كيف توازي القراءة بين هذين المفهومين؟.
المطالعة هي ذخيرة العقل الذي يصبغ معه الروح نحو ارتقاء بشري وإنساني منشود ومطلوب وتفتقر مناهجنا إلى الحالة الثقافية لملء الحوار الثقافي في المجتمع، لذلك فالقراءة صارت مطلباً ملحّاً ورهاننا للقيام إلى مجتمع يليق بسوريتنا وإنسانها.
* في ظلّ سيطرة الرأسمالية الالكترونية التي طبعت المجتمعات بطابع استهلاكي إعلاني دعائي يسطّح العقل بثقافة استهلاكية سريعة.، كيف توجهون القراءة للتغلّب على هذه المصائب؟.
لأن القراءة هي خطوة على طريق الخلاص، نحن معنيين باختيار العناوين المطروحة للنقاش أيهمنا العمق فيما نقرأ وبشكل عمودي وليس أفقياً، ونكون حريصين على أن تكون عناويننا دائماً تغوص في العمق الإنساني وتقترب منه، ودائماً نحرص ونطمح إلى الأفضل.
* توصف الثقافة العربية بأنها ثقافة استطلاعية سطحية، تفتقر إلى قراءة تحليلية وتفكيكية لواقعها وحصيلته، كيف يمكن للقراءة أن تكون بنّاءة في هذا الاتجاه؟.
جلسات (فتح كتاب) هي تتويج لحقيقة معنى وأهمية القراءة، لا نقرأ الكتاب للتسلية ولا بشكل آني، إنما قراءاتنا هي تحليلية وتفكيكية لعناصر وأشخاص أزمان العمل لأن العمل الأدبي هو نتاج عقل الشعوب.
* الواقع الاقتصادي الضاغط في سورية، والذي أصبح الهاجس فيه تأمين لقمة العيش، كيف يمكن للقراءة أن تقترب من المواطن وتحاكيه؟.
لا بد أن يجمع المواطن واقعه مع قراءته وهناك حتمية لمحاولتنا هذا الجمع، إذ لا قيام لنا من هذه الحالة التي لا تليق بنا كشعب سوري إلا بالثقافة ومفتاح الثقافة هو دائماً القراءة.
* القراءة هو أسلوب الثقافة، وفيما ظهر ما سمّي بالقوة الناعمة التي حاربت سورية في الفترة الماضية وأظهرت قراءات غريبة وعجيبة عن العقل السوري… ماهي الكيفية لمحاربة هذا الغزو الثقافي المسمى بالقوة الناعمة، وكيف السبيل للعودة إلى قراءتنا الصحيحة ومعالجة الطرح المؤلم فيما مرّ على سورية؟
لن أتحدث بشكل تجميلي، سأقول أن واقعنا الثقافي في حالة يشوبها الكثير من المعاناة، وهذا طبيعي لأننا في حالة مخاض فكري بعد حربٍ قاسية، نفسية وثقافية أصابنا بها ما أصابنا لكن العقل السوري البّناء، يبرع دائماً في الخروج من أزماته، ويحرص دائماً على إظهار الصورة الحقيقية و(فتح كتاب) هاجسنا وهدفنا منه تحصين وترسيخ وحماية القيم السورية الأصيلة التي تخدم بناء المجتمع دائماً بشكل سليم معافى أقرب إلى صورتنا نحن ومكانتنا بين الشعوب.

سلمى حلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار