“الخط الثالث” في قصيدة “الثوب الأسود”

الوحدة 15-10-2022

إذا كان الشعر إحساساً، وهو كذلك، فشاعرنا هو ملك الإحساس، وإذا كان الشعر عملية خلق وإبداع وإضافة، فشاعرنا هو المبدع الخلاق، وإذا كان الشعر حضوراً وأناقةً وأداءً وإلقاءً وثقة، فشاعرنا ..موضوع حديثنا، هو الحاضر الأنيق القادر الواثق المبهر في حضوره وأدائه وصوته في قصيدته الأخيرة “الثوب الأسود”.
يحتار المرء من أين سيلج عالمه الصاخب بالموسيقا والألوان والإيقاعات التي لا أحد يملك نوتتها سواه، بكلمات.. يصور لك امرأة بفستان أسود بطريقة يشعر القارئ بأنها أمامه، يكلمها وتكلمه، وله أن يتحسس معالم اللوحة بكل تفاصيلها، وله أن يشم عطرها، ويسمع أنفاسها، هي عبقرية التصوير بالكلمات، وهي ليست جديدة، لكن مع شاعرنا تبدو جديدة، وإنها من اختصاصه وحده، ولا شريك له بها، هي لغته، هي فلسفته، هو عالمه، هي مدرسته، هي قصيدة واحدة من بين سيل من القصائد التي لا تقل عنها عمقاً وبعداً وروعة وإبداعاً، هو ليس شاعراً عمودياً، أو شاعراً نثرياً، هو حالة لا أجد توصيفاً لها، هو خط ثالث بينهما ربما نمط شعري لم يكتشف بعد، لكنه حقاً أجمل من الشكلين السابقين..
أنا لم أذكر بعد اسمه..
لكن البعض عرفه مؤكداً..
– الشاعر الروائي الأديب المبدع المميز مخلوف مخلوف..
دع قلمك يقول كل الذي عنده..
فنحن ما شبعنا بعد..
ولا تعبنا..
ولا يبدو أننا سنتعب..
وهذا هو نص القصيدة:
“الفُستانُ الأسوَدْ”
انسدال ليل..
فوق رخام أبيض..
ملخص أسطورة فستانها الأنثوي الأسود.. امرأة..
ما خلق الله الليل والنهار..
إلا ليتبادلا توزيع الظل والنور
فوق جسدها البلوري الأخضر..
كائناً ضوئياً كانت..
فما حاجة بلقيس- للتبرّج كي تثبت أنوثتها.. وهي إن كشفت ولو جزئياً عن قبس من برق أشيائها.. لتبدلت نوايا الريح اتجاه الموج الأزرق.. سرمدية التشكل كانت طلّتها..
وقد استكملت قوس تشكّلها.. استداراتها.. انشطاراتها الكونية..
البلاغة أعلنت انسحابها من معركة الخوض في توصيفها.. أو تصنيفها..
أو الاستغراق في فلسفة التأويل..
من مُحكم تنزيل خصرها النحيل..
وجاء في مذكرات الخليل..
أن ثوبها الأسود الطويل
اختزال لعبقرية ربٍّ جليل..
جميل.!

د.رفيف هلال

تصفح المزيد..
آخر الأخبار