التراث … قطيعة أم جذور

الوحدة 15-10-2022

التراث هو عمق الذاكرة، وعبق الماضي الذي لن يعود، ولن يموت، بل هو ماض في حاضرنا. وحاضر في ماضينا، ولا نرى حين ندقق
في ملامحه التي لا تشيخ سوى حقيقة وملامح وجوهنا.
هو هويتنا ومرآتنا وخصوصيتنا هو جيناتنا الواراثية المشتركة، وعنواننا على صفحة الاختلاف والتميز ،هو اسمنا الجماعي، هو نحن على خارطة الزمان والمكان.
من لا تراث عنده لا تاريخ له ، وإذا كانت النزعة التراثية المتعصبة المتمثلة في تقديس التراث ورفض الخروج عنه مقابل أي تطور، هي سجن وقيد وتخلف فإن التراث في حد ذاته كنز ومنبع ، لولاه لما تدفق سيل الحاضر قوياً نحو مستقبله.


ويعد الفلكلور الجزء غير المكتوب من التراث، كالأمثال والقصص الشعبية والأغاني والرقصات والملابس والصناعات التقليدية وعادات الاحتفالات وهي كلمة ذات أصل ( أنغلو ساكسوني ) مكونة من كلمتين ( فولك) (بمعنى الجماعة ) و ( لور ) بمعنى معرفة وكلتاهما معاً ( معرفة الجماعة ) و (معرفة الشعب )، ويمثل لدى كل الشعوب ميراثاً تتناقله المجتمعات جيلاً بعد جيل ، وتحتفظ به الذاكرة الشفوية عبر الزمن. أما عن الفلكلور كعلم مستقل، فقد نشأ في أوروبا منذ قرنين، ومنذ ذلك الحين اتجهت الأنظار نحو ضرورة تدوينه وتوثيقه وجمعه حفاظاً عليه وانتشرت الظاهرة في أنحاء العالم، ومن هنا تطرح الأسئلة نفسها إذا كان أحد تعريفات الفولكلور أنه ( التراث غير المكتوب )ألن يفقد بتدوينه أحد أهم خصائصه ومقومات تعريفه ، وهي الشفوية ؟
ولماذا صرنا نخشى الآن ضياع هذا الفلكلور الذي حفظته الذاكرة الشعبية بين شفاهها قروناً طويلة من دون أن يضيع ؟
هل فقدت الثقة بقدرة هذه الذاكرة على حفظ ما حفظته سابقاً أن تحفظه لاحقاً ؟
لعل الخطر لايكمن في تدوين الفلكلور وحفظه، والذي يبدو على العكس إيجابياً بل يكمن في فقدان الذاكرة الشعبية أو فقدان قدرتها على حفظه
هل لأن الذاكرة الجماعية في عصرنا أصيبت بداء الكسل في ظل وسائل مبتكرة تحل مكانها في مهمتها وتحفظ عنها تراثها ؟
هل بسبب الانتحال والتزوير الذي تتعرض له بعض ثقافات الشعوب التي تنهب بطرق وقحة وتنسب إلى غير أصحابها ؟
هل بسبب ما أصبح يتهدد تراث الشعوب من أخطار العولمة اللاهثة وراء تهميشه وإلغائه ضمن إلغاء خصوصيات الشعوب وتنميطها ؟
ليس عيباً أن يدون الفلكلور لحفظه ، بل العيب أن ترهن الذاكرة تراثها لذاكرة الكتب كعلم مستقل عنه، وإلى دراسة الأكاديميين، ومع ذلك يبقى التراث ليس علماً نضعه ، بل حقيقة قائمة ندرسها ونستمد قوانينها من داخلها ويبقى التراث مستفزاً للحنين.
لذلك لا يزال يتجمع أبناؤه في أصقاع الغربة حوله، فتجدهم يبحثون عن رائحة أو تحفة أو أكلة أو موال يشدهم إلى حفنة من تراب الجذور ، ويجدون لها نكهات مختلفة عن كل المغريات المحيطة بهم ، ذلك أن لها طعم الانتماء.
قد يضيع التراث حين نفقد تواصلنا العفوي معه، حتى وإن حفظ في الكتب ، وعندها حتماً سيضيع الانتماء.

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار