الوحدة 13-10-2022
في القرن التاسع كانت كلمة إلدورادو تشير إلى مكامن الذهب الكبرى التي يتم اكتشافها حديثاً, وإلدورادو القرن التاسع عشر لا تختلف كثيراً عن إلدورادو القرن السادس عشر حتى ولو كانت واقعية وغير وهمية وبمرور الزمن صار هذا الاسم يطلق على أي شيء جميل يداعب الأحلام, وآلاف الشركات الاستثمارية والمتاجر والفنادق والمطاعم الكبرى تحمل اليوم هذا الاسم الذي ما كان ليظهر لولا شغف الإنسان بالبحث عن الذهب واكتنازه, وحرب البوير التي احتلت بها بريطانيا كل جنوب إفريقيا خير مثال على تكرار حكاية الذهب ومآسيه. بعد اكتشاف كريستوفر كولومبس للقارة الأمريكية الجديدة بنصف قرن كانت حضارة الشعوب الفقيرة الإنكا والمايا والأزتيك والتولتيك من الهنود الحمر في بلدان الآنديز تتجرد تماماً من ذهبها وتدخل عصر التشتت والزوال, فعندما انهزم الإنكا الكبير آتاهوالبا أمام الغازي الإسباني بيزارو عام 1533 تعهد أن يدفع فدية من الذهب والفضة تملأ قاعة بطول 6,6 م وعرض 1،5إلى الارتفاع الذي تصل إليه يده المرفوعة. وقد كتب عنها الشاعر التشيلي الثائر بابلو نيرودا يقول في المغامرين الإسبان: ( فيما بعد رفع العاهل يده المتعبة إلى ما فوق جباه قطاع الطريق- لمس الجدران- فحطوا هناك إشارة حمراء ووجب أن يملأ شعبه بالذهب والفضة ثلاث غرف حتى ذلك الخط الأحمر من دمائهم). الكنز الذي عاد به بيزار من البيرو إلى إسبانيا، يعتبر الأكبر في التاريخ فقد جمع فدية من الإنكا الكبير 5552 كغ من الذهب و118882 كغ من الفضة, كما نهب من العاصمة كوزكو 1100 كغ من الذهب و1500كغ من الفضة وبذلك تجردت حضارة الإنكا من ثرواتها. ومقدساتها ومن آنيتها المنزلية وتشتت إلى قبائل صغيرة هائمة على وجوهها في الأدغال والقرى الصغيرة، ولكن ثراءها السابق وبعض ما شاهده الإسبان من طقوس دينية عند هنود المويسكو يستعمل فيها الذهب بإفراط أدى إلى نشوء أسطورة في أوربا، تتحدث عن مملكة وهمية بالغة الثراء بالذهب (إلدورادو) أي المذهب, وعلى مدى 300 عام، ظل المغامرون والمستكشفون أفراداً أو على رأس حملات عسكرية يلقون بأنفسهم في أدغال الأمازون وجبال الآنديز بحثاً عن هذه المملكة الوهمية ليموت معظمهم وهو يلهث وراء السراب في الأدغال المظلمة. على أنقاض حضارات الهنود الحمر، وفوق آلاف الجثث المبعثرة في الأدغال نسج الأدباء والشعراء صوراً للإلدورادو, ففي قصته الفلسفية (كانديد) يرسل الفيلسوف الفرنسي فولتير بطله إلى إلدورادو حيث أطفال القرية المكسوون بالديباج والمقصب بالذهب الممزق بكامله يلعبون عند مدخل البلدة وكانوا يرفعون قطعاً عريضة ومستديرة صفراء وحمراء وخضراء تسطع ببريق فريد من ذهب وفضة وياقوت وزمرد, أما إلدورادو عند الكاتب إدغر ألن بو فلها الوقع المماثل لكلمة مستحيل حيث الفارس يشيخ، وهو يبحث عن إلدورادو وعندما تخور قواه يسأل ظلاً عن مكان إلدورادو فيقول له الظل: (خيل بجرأة إذا كنت تفتش عن إلدورادو), لم تندثر حضارة الهنود الحمر مع اندثار حضارة الإنكا، فهناك الموناليزا البيروفية (الإلهة موشيكا) المصنوعة من الذهب الخالص, وفي عام 1987 اكتشفت في حرم سيبان الواقع في منطقة لامبايسك في شمال البيرو مجوهرات تفوق أهميتها المجوهرات المكتشفة في قبر توت غنج آمون.
نعمان إبراهيم حميشة