الوحدة : 7-10-2022
الأنثى محور الحياة الاجتماعية، لكنها تئن تحت وطأة الضغوط التي تمارس عليها بفعل تناقضات المجتمع وفصامه ، والرجل الشرقي بحكم التقاليد الذكورية والقيم الاجتماعية الموروثة يلعب دور الشرطي والجلاد والرقيب والقاضي على أخلاق المرأة وعقلها وجسدها وخطواتها وأنفاسها، والأدب الأنثوي حاضر على الساحة الثقافية وساطع في سماء الإبداع يعبر عن مشاعر أنثوية حبلى بالدلالات تعكس واقع وتطلعات المرأة لغد أفضل , تقول أحلام مستغانمي في روايتها ( نسيان ) : ( نحن ناضلنا لنستعيد حقوقنا من الرجل بالذات، ثم عدنا وناضلنا لنستعيده هو بالذات، ولا ندري ماذا نريد بالتحديد ).
النص الأدبي انعكاس لما يحمله الأديب من أفكار يؤمن بها ويعمل على نشرها، والشخصية الأدبية كائن خرافي يظهر إلى الوجود من خلال كم كبير من المفردات والعبارات التي يخلقها الأديب ويسوقها بطرق وأساليب شتى سرداً أم وصفاً أم حواراً حيث ينهض بالتخييل صرح عمراني روائي متكامل، والرواية متحف نقال يعرض الحياة بليلها ونهارها وأشخاصها وهمها وغمها تحفر عميقاً في البنى والعلاقات الاجتماعية وتلامس قضايا هامة وحساسة لدى الفرد والمجتمع والتراث والموروث وتنقل صوت القاع الذي يحوي الكثير من الخفايا والجوانب النافرة والناشرة والفساد المادي والقيمي الذي ينخر فيه ..
كاتبة الشوارع الأمريكية ذائعة الصيت جاكي كولينز التي تتصدر رواياتها الكتب الأكثر رواجاً وتوزيعاً في أمريكا وهو ما يحلم به الكثير من الكتاب الرجال يتهمها النقاد بأنها مجرد كاتبة فضائح وإثارة وعنف وعواطف ورغبات مدمرة , تفتح أمدية في شقوق الذاكرة حين تجاهر بجراح الذكريات المستعادة مؤكدة عدم قدرتها على طمس معاناتها دامجة ما بين ذكريات طفولتها الضائعة والمنسية وبين قلق وتوترات واضطرابات حياة الإنسان المعاصر في مكعبات الأبنية الإسمنتية .
النسوة اتخذوا الرواية سبيلاً لمواجهة الواقع الذي يعيشونه وتسريب أفكارهم عبر شخصياتهم الروائية، ومن أهم أسباب شيوع روايات النساء خصوصية مشاعر المرأة والمجسدة بالكلمة في الرواية دون افتعال أو تقنع أو رتوش وغلبة الحب والمشاعر الجياشة والاستغراق في وصف الهوى والعشق والألم الذي يفترش كامل لوحات حياتها وكل مفردات العذاب الأنثوي على معظم كتابتهن والقدرة على البوح بالعزف على أوتار الروح لإشباع غريزتها الأنثوية وترتيب فوضاها الداخلية، وفي الرواية تميط النساء اللثام عن الصمت الذي يلف الأنثى في مجتمع ذكوري لا يرحم.. رواية /نساء العتبات/ للكاتبة العراقية هدية حسين رمزية لكل امرأة عانت الاضطهاد والعنف والظروف المحبطة وسفك دماء طفولتها وأمومتها على بلاط ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.
تتشعب رواية المرأة في مواضيع ذاتية وإنسانية تعبيراً عن الحالات التي تعيشها المرأة وتمتاز بالفيض العاطفي واللهاث وراء الألفة واللقاءات الحميمة تحت زخ أمطار العشق والغرام، والأنثى الأديبة تتأثر بظروف حياتها نفسياً وإبداعياً تنزع للرواية للتخفيف من معاناتها والتعبير عن ألمها وإفشاء الأسرار التي تعتمل داخلها البعيدة عن متناول العلن وكسر المحظور الاجتماعي والقفز فوق الأسلاك الشائكة التي تحد من حركتها، وبعضهن يكشفن عن صفحات مطوية من دفتر حياتهن الخاصة يتناولن أوجاع الحب وعذاباته وآلامه الممضة بحضور عناصر المفارقة الصارخة بين الفقر المدقع والثراء الفاحش.. تقول أحلام مستغانمي في روايتها ذاكرة الجسد : (لا منطق للعشق خارج الحماقات والجنون). الرواية التي قال عنها الناقد الجزائري بوشرومة: (الرواية سيرة ذاتية للكاتبة).
الرواية النسائية تتوق إلى كسر الميراث التاريخي وفك قيود الروح والذات والجسد ورصد الدوافع والانفعالات الخفية الفائرة في الحالة النفسية للشخصيات بفعل عوامل الإحباط والخيبة والتشاؤم والانكسار والبحث عن عوالم أكثر رحابة..
الكاتبة الأمريكية السوداء توني موريسون حاملة نوبل 1993 تعبر كتاباتها بعمق عن أوضاع الظلم التي لحقت بأبناء جلدتها، وجاءت معظم أبطال وشخصيات رواياتها من السود وصورت معاناتهم تصويراً يظهر مدى بشاعة أفعال البيض معهم وغاصت في حياة المجتمع الأمريكي الأسود ولاسيما حياة النساء السوداوات اللواتي يتمتعن بالجمال ومع ذلك لا يحظين بعلاقة كاملة مع الآخر وقد أفصحت على لسان إحدى شخصياتها قائلة: (ليس هناك حظ سيئ في العالم، ولكن هناك شعباً أبيض فقط).
الرواية النسائية تهدف إلى تعديل مفهوم المرأة عن نفسها وتعرف أن حقوقها أولوية وليست رفاهية وترفاً لضمان ممارسة دورها في الحياة كما يجب وتعرية الإرث الفكري الفحولي الذي ينص أن المرأة لم تولد إلا لتتزوج وتنجب وتطبخ وتختبئ وتباع وتخدم ذكور عائلتها فقط وغيرها من التقاليد الاجتماعية الموروثة التي تشبه المطرقة التي تهرس المرأة مادياً وجسدياً وروحياً في مجتمع ذكوري يسن القوانين ويفرض على المرأة ارتداءها بحلوها ومرها وقبحها.
نعمان إبراهيم حميشة