الوحدة : 5-10-2022
فن وهندسة العمارة هي تراث الأمة وكنزها الثمين، والذاكرة التي تستحضر ماضٍ عريق عبر أوابد شامخة لا زالت حاضرة، فنون البناء التاريخي هو علامة فارقة للتطور والازدهار الذي كان يتمتع به سكان هذه الآثار، جميع المجتمعات وخاصّة الأوروبية تعتبر العمارة التاريخية إحدى أهم المواقع السياحية لديها، حيث تتفاخر بأحجار أبنيتها وترفع كثيراً من شأن أصحابها، وأوابد الأندلس وقرطبة في إسبانيا الدليل الأكبر عبر تطبيق المسلمين رسالتهم الإنسانية في الحضارة العمرانية آنذاك، فتحوّلت بدهاء سياحي إلى مقاصد ومعالم يزورها القاصي والداني، ونقيض كل ذلك نجده في مدينتنا البيضاء لاذقية التاريخ التي يخرج من حواريها عبق الماضي العتيق وأماكنه النفيسة، فقد مرّ من هنا الكثيرون من صنّاع الحضارات المتنازعة، لكن الصراعات والحروب غيّرت المعالم وتداخلت الثقافات، شواهدهم قائمة لكنها مهملة مهمّشة باستثناء بعضها، لم تأخذ حقّها من الرعاية والاهتمام حتى الّلحظة، وعلى العكس فقد بدأ البعض يقتلعها من جذورها، فتعلّقت على أضلاعها أسلاك الكهرباء ومناشر الغسيل وثياب البالة وذهبت ألوانها بأوراق نعوات الموتى، بدلاً من ترميمها وتزيينها بالقناديل المضيئة، ضاربين عرض الحائط بقيمتها الثقافية والسياحية، وفي الجانب الإيجابي، نجد اهتماماً واضحاً ببعض الجوامع والكنائس في حي الصليبة والموارنة وساحة أوغاريت والكيدون والعوينة، وأعمدة قوس النصر، وكذلك في السوق المقبي وآثار أخرى في مارتقلا وساحة الشيخضاهر ومحيطها ،
لكن ما يُدمي القلب هو أن يد الهدم بدأت تقتلع بعضها بحجج كثيرة أمام أعين المهتمّين بصناعة السياحة، بدل الحفاظ عليها والقيام بترميمها وإعادة الحياة إلى حجارتها وجدرانها الحزينة، على عكس ما يحدث في مدينة دمشق القديمة، فقد أعادوا الحياة إلى الكثير من الحواري، وأصبحت من العلامات المهمّة هناك، عبر تحويلها إلى مقاهٍ ومقرات سياحية تفوح من حجارتها روح الحضارة والعمارة التاريخية، فهل ينسحب هذا الأمر على أوابد مدينتنا الغنية بتلك الفنون من أقواس وأبواب كانت ممرّاً طبيعياً لسكان أجادوا فنون هندسة العمارة وحب الحياة.
سليمان حسين