حضرة الفن و الجمال..حوار مع الفنان العراقي سعدي الرحال

الوحدة 1-10-2022

حاملاً في ألوانه رائحة تراب بلاد الرافدين ومائها وسمائها، راغباً في التجذر في تربة أوغاريت والارتواء من خمرها والتطيب بعطرها وزيتها .. هكذا حلّ الفنان العراقي سعدي الرحال ضيفاً عزيزاً علينا، لنلتقي به ونحاوره في حضرة الفن والجمال:
* مرحباً بكم أستاذ سعدي بين أهلكم….
لنتحدث قليلا عن زيارتكم لمحافظة اللاذقية….

** زيارتي هذه واحدة من أجمل ما كنت أمني به النفس، الالتقاء بمن أحب من الناس، وكذلك مصافحة البحر وبث لواعج الروح إليه ..ثم التحليق في سماوات اللاذقية الخضراء التي تمنح للعاشقين هواءً منعشاً يجدد لهم رئة جديدة للتنفس.

* نراك دائم الترحال في حياتك مابين العراق وسورية
وهولندا…وكأنك لاتحب المكوث في مكان واحد، لكنك في أعمالك الفنية تطيل العمل على الموضوع الواحد وتمكث فيه كثيراً حتى يخال المرء أنك لن تنتهي منه…
ما أسباب ذلك يا ترى؟

** الفن هو سفر بحد ذاته، ينقلك إلى عوالم غير مأهولة ويمدك بالمحطات التي لا تحتاج فيها إلى تأشيرة سفر أو دفع رسوم جمركية..
أرى أن السفر باستمرار يمنح الفنان نوافذ جديدة لإعادة تأهيل أفكاره واتساع مساحة الرؤية ومنح الذاكرة طاقة جديدة إيجابية.
لقد أجدتِ في ربط العلاقة مابين السفر ومخاضات العمل الفني.
في العمل الفني كثيراً ما تتولد رغبات جديدة تتناسل فيها الرؤى وتتقاطع أحياناً وتحتاج إلى إعادة صياغة ..
اللوحة كما غرفة الاستقبال، تحتمل التغيير بما ينسجم مع مزاجيات الفنان وخواطره ..في أحيان كثيرة يعمد الفنان إلى إعادة تدوير مفردات عمله بالكامل ويوجه بوصلتها باتجاه آخر ..هو سفر في مركب وسط البحر المترامي الأطراف ورغبة في التجديف فيه باتجاهات مختلفة.

* ماالصعوبات التي تواجه الفنان العراقي حالياً…وكيف يمكنه التغلب عليها؟

** يعاني الفنان العراقي مثل السوري المعاناة ذاتها في جوانب عديدة، فوسط هذا المخاض تأتي الرياح في أغلب الأحيان بما لا تشتهيه سفنهما ..الفن هو نتاج الحالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية العامة ..لهذا فإن المدن التي لا تعاني من اظطرابات وهموم يومية نجد فيها نشاطاً زاخراً من مظاهر الفن متوافقاً أيضاً مع رغبة المتلقي الذي يبحث عن نظريات الجمال في الأعمال الفنية ..
أعتقدأنه ما إن يكون ثمة رفاهية في بلد ما فسنجد فناناً سعيداً مستمتعاً وغارقاً بإبداعاته وأحلامه وعوالمه.

* ماالقواسم المشتركة التي تراها بين ماضي ومستقبل الفن التشكيلي في البلدين الشقيقين ؟

** العراق وسورية توءمان بحكم الجغرافيا والتاريخ ..هناك الكثير من المشتركات الفكرية التي تخلق هذا التقارب، فالطين والرقم الطينية التي أنتجتها حضارة وادي الرافدين هي ذات الطين الذي أنتجته أوغاريت .. فتدمر السورية تشبه كثيراً الحضر العراقية في الأساليب، وفي التنوع ونهر الفرات منهل هذا الطين الذي بنى ذات الحضارة.
تقنياً وموضوعياً أيضاً هناك أدوات إنجاز العمل الفني التي تتشابه عند فناني البلدين ..
حتى المعاناة السياسية وتوقيتاتها يمر بها العراقي بذات المتوالية الزمنية التي تمر على السوري.
أعتقد أن بقاء الفن وولادة المبدعين في كلا البلدين جدير أن يستشرف مستقبلاً إبداعياً سيستمر ولن يموت.

* تذكرنا لوحاتك بالجداريات التي تركها لنا الأجداد في الكهوف القديمة، ما يكسب أعمالك روح الأسطورة والتراث على الرغم من استخدامك تقنيات ومفردات حديثة..
كيف تفسر ذلك ؟

** أعتقد أنه مهما تطورت مراحل النمو الإنساني وتغيرت معالمها، يبقى الإنسان (والفنان خاصة ) باحثاً عن الأسرار التي تفك شفرات كل ما يثيره في محيطه سواء أكان كهفاً أو مشغلاً فنياً .. فاللوحة هي منظومة فكرية تجعل الفنان بدائياً في رحلته في التفكير بما يخيفه وما يقلقه وما يوهمه ..فالفن هو حقل إبداعي يجرب به الفنان انفعالاته وافتعالاته لأشياء مؤثرة في حياته،
ومهما اختلفت أدوات التعبير سواء أكانت أزاميلاً أو صباغات ينتجها الإنسان القديم بيده أو هي غيرها في زمن التقانة الحديثة والعولمة، فإن مهمة الفنان إيصال أفكاره للمتلقي من نافذته (اللوحة) التي تتسم بدلالات ورموز قابلة للتأويل من قبل المتلقي الفطن والعين المتدربة على كشف خفايا الجمال.


* أين ترى سعدي الرحال بعد سنوات…وكيف تراه؟

** غارقاً في عوالمه الخاصة.. باحثاً عن مكامن الجمال ..ومستغرقاً بهموم الفكر ..ساعياً في اقتطاف الجمال من شجرة الفن الوارفة ..وفوق كل هذا عاشقاً للجمال وروموزه.

* ما الذي يحرضك على الإبداع الفني….وماهي طقوس العمل لديك؟

** ما يحرضني كثيراً هو البحث في الجسد الإنساني ومواجعه وسط حالات الحروب وعذاباته والتمثيل به ..اللوحة عندي تدخل ورشة أستجمع أدواتها من أشياء متنوعة أعيد تدويرها لإنتاج أشكال هذا الألم بخطوط وكتل ومفردات تعبير بصرية مختلفة ..
مخاض اللوحة يشبه لدي نوع من الاستفزاز الحسي والروحي، فاللوحة تدخلني في مخابئها تارة في ظلام وأخرى بظلال ..أحاول أن أنتزع من هاتين العلاقتين ما تنتهي عنده اللوحة وهي تستجيب لشروط العلاقة بين الحلم والحقيقة ..غالباً ما أميل لسلوكيات (لا واعية) فأخلق (تيهاً) تحتدم فيه الافكار لتستقر في آخر المطاف في مرحلة ثانية (واعية) تؤسس لاتضاح في إيصال تلك الأفكار إلى الآخر ..وما على المتلقى سوى (التأويل) الذي يذهب به إلى ضفاف ومرافئ قد تكون ليست هي ضفافه أو مرافئه ..
وهذا ما يهمني دوماً في خلق هذا الجدل ..الذي أراه هو غاية الاستطيقا ومفاهيم الجمال.
* كلمة أخيرة:
** أود أن أشكر الصديق الفنان مجدي الحكمية الذي أثراني بكرم ضيافته وفتح قلبه المحب للمبدعين قبل أن يفتح لي مرسمه الذي أتاح لي فرصة الإقامة في مدينة اللاذقية…


وكذلك الأصدقاء الفنانين الذين زاروني في مكان إقامتي بالمرسم،
لي موعد إن شاء الله في معرض قادم في اللاذقية بالتنسيق من السيدة لينا ديب معاونة رئيس اتحاد التشكيليين التي وعدتني بتنظيم معرض في أحد قاعات اللاذقية المهمة.
لذا نبقى على موعد مع الإبداع والجمال.

نور نديم عمران

تصفح المزيد..
آخر الأخبار