الوحدة 10-9-2022
تحولات كثيرة دخلت القطاع التعليمي بشكل مخيف، فعلت فعلتها بطرفي المعادلة: التلميذ ومُعلّمه الّلدود (أحياناً)، تغيّرت الطُرق والأساليب وانقلبت الموازين رأساً على عَقِب فيما يخصّ العلاقة بين الطرفين، فهل حقيقة الماضي تكشف المستور عن واقع تعليمي ينوء بحمل ثقيل؟! ..
ثمانينيات القرن الماضي تراتبيتنا التعليمية كانت على مقاعد المرحلة الابتدائية، معلّم الصّف شخص جبّار عبوس، كانت تصيبنا الغبطة عندما نرى أسنان ذلك المارد من خلال ابتسامة هاربة، هو الذي يُشرف على تلقيننا كافة كُتب المنهاج باستثناء مادة الديانة والرياضة، جدّي لأبعد الحدود حتى أثناء الاحتفال بالمناسبات الوطنية، الانضباط والّلباس المدرسي كان مُقدّساً بالنسبة لإدارة المدرسة، وخلال الاصطفاف الصباحي ومن كلمة واحدة يخرج كافة المخالفين لتكون الأيدي الصغيرة نقطة الحساب العظيم، وهنا كانت تُمارس قمّة المساواة والعدالة بالمحاسبة بين طالب متفوّق وآخر غير ذلك، نظرات الطلاب النظاميين من خلف النوافذ أشدّ ألماً من لسعات القضيب المرن، وفي داخل القاعة أو كما كان متعارف (الصف) تبدأ الحلقة الأصعب من خلال التفتيش عن الوظائف وحفظ المطلوب، والأشد ألماّ وقهراً عندما كان يقف المعلّم على باب الصف ويتلو جملة قاتلة: ( نستبدل حصّة الرياضة بالرياضيات) وهنا قمّة الانهيار النفسي لساعة منتظَرة هي أجمل ما في المدرسة (بنظرنا القصير)، فكانت تبرز قُدسية معلّم تلك الأيام بإعطاء وشرح الكتاب المدرسي من الجلدة إلى الجلدة، كما يٌقال، حتى فترة مراجعة ما قبل الامتحان كانت أيامها معدودة حيث يقوم الكادر التدريسي بمراجعة كافة الدروس وشرحها بالتفصيل لجميع الطلاب، وتتجلّى عظمة ذلك المربّي خارج أوقات المدرسة وخاصّة إذا حصلت مُصادفته من بعيد حيث تتم عملية الفرار والهروب العنيف بين تلك الأحراش خشية تلك الواقعة المؤلمة والأسئلة الممزوجة بفرك الأذن والشعر، فهذا هو جبروت معلمينا آنذاك الحريصين بشدّة وإيمان مُطلق على ممارسة واجباتهم الأخلاقية والوجدانية (في ذلك القرن) .. والويل ثم الويل لحاضر احترقت فيه كل المعاني بما يخصّ الطالب والمدرّس بآنٍ معاُ، فأصبح الطالب يهزأ من معلمه وقد تمتدّ يده عليه بالسوء أحياناً، ففقدت عملية التربية والتعليم جُلّ معانيها وانحرفت بشكل كبير عن سموها وجلالتها، وقصّة (قم للمعلّم وفّه التبجيلا) أصبحت من الماضي بسبب تعاظم الظروف وتشابك العلاقة بين الطالب والمعلّم وكذلك الإدارات المسؤولة من رأس هرمها نزولاً إلى اجتماع أولياء الأمور الذي أصبح يشبه أحاديث أرتال منتظري الخبز (مع الأسف)، والسؤال الذي يطرح نفسه بشدّه أين أصبحت مهمّة المدارس بكافة مراحلها مع تعاظم وتعدّد المعاهد الخاصّة والحصص التدريسية المأجورة لطلاب في المرحلة الأولى من حياتهم التعليمية، لقد أصبحت هذه الممارسات عرفاً وتقليداً معمولاً به بين الأهالي سواء كانوا ميسوري الحال أم فقراء، وحدّث كثيراً عن الشهادات الأخرى والإشارات حولها وحول (ازدواجية) مدرسيها وطريقة تعاطيهم مع جهتي رزقهم، مع العلم أن هناك الكثير من المدرسين يقدّمون طاقتهم القصوى في المدارس الحكومية ويمتلكون من السمعة الحسنة ما يؤهلهم أن يكونوا قولاً وفعلاً بُناة أجيال .. هناك أحد المدرسين يقوم بكتابة حلول دروسه على الّلوح حتى لو كانت القاعة خالية من الطلاب .. وعنده ينتهي الكلام.
سليمان حسين