الوحدة : 7-9-2022
للكلمة بهاء وسحر وجمال, وفي هذا العصر أزيلت الحدود الفاصلة بين الأدب وقلة الأدب، وصارت الكلمة وسيلة للخداع وتقود إلى مطبات وأفخاخ كثيرة, ومثلما اللغة أداة للتواصل والتعبير والتبليغ والتوضيح فهي أداة للتضليل والتمويه والتعتيم, وقد ساهمت وسائل الإعلام بالتأسيس لمدرسة كلام موجه إلى عقول الناس ومشاعرهم بهدف خلق فوضى الأحكام وتشتيت الرأي وهو ما يعرف بفن قيادة النفوس وتوجيه الرأي العام. العالم اليوم رهينة إرادة وتدبيرعقول شريرة جعلت من الفبركة غولاً هائلاً يتم توظيفه لنشر الفتن وابتلاع المجتمعات والدول وقيادة البشرية إلى حافة الجنون عبر التلاعب بالمصطلحات ببراعة فائقة في تحديد وتعريف المفاهيم التي يريدون أن تسود العالم مثل تعريف الإرهاب والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة والحرية والتسامح بالمعاني التي يقصدونها وبالطريقة التي تخدم أهدافهم ومصالحهم لصناعة العنف الموجه واستثماره حيث تكون مصالح الغرب.
صار العالم الثالث ضحية للتضليل الذي يمثل ثورة مضادة معاكسة في النهج والتفكير وخلط المفاهيم وتمييع الحدود للتأثير على الإنسان وفرض رؤيتهم على الوقائع ويشكل العالم حالياً كيفما يشاء ويصوغ الأحداث بنظرته الخاصة لخلط الأمور والمضي في التسويق لتضليل الناس وسرقة الوقت للسيطرة على أفكار وعقول الناس والمجتمعات, يعدون لكل حال خطاب ولكل أمر موعظة بمنطق ساخر معكوس تقلب فيه الموازين لإنتاج شعوب مفصلة على مقاس مصالحهم. تتسابق وسائل الإعلام المغرضة المشبوهة في إذكاء فتيل حرب المصطلحات وترجمتها وبثها على جناح السرعة باستخدام تقنيات التضليل الكلامي وتضخيم أو تبسيط أو تشويه الحقائق كي ترادف الخداع المعتمد والتضليل المقصود حتى غامت وتلاشت وما عادت ترى الحدود الفاصلة بين الأشياء واستثمار التناقضات الكلامية والتأويلات اللغوية المموهة واللفظيات الخطابية الفارغة المضمون بالتهويل والمبالغة واستخدام تقنيات الاجتذاب والإغواء والتلاعب الدلالي للكلام و ترديد المفردات العاطفية بكل ما تحويه من مقالب وعيوب للوصول إلى اللاوعي وزرعه بأفكار ورغبات ومخاوف ونزعات وسلوكيات محددة وتوظيف بعض العلوم المساعدة كالتاريخ وعلم النفس والاجتماع والفن والشعر والخطابة للتحريض والاستفزاز وإنعاش الغرائز السوداء البغيضة.
التلاعب بالمصطلحات لتدمير العقول وإعادة بناء النفوس بتوليفات تشكل خطراً حقيقياً على هوية وذهنية المواطن العربي, وهي إحدى الوسائل الاستعمارية للسيطرة على الشعوب, حيث توجد جهات خارجية تقوم بصناعة المصطلحات وتصديرها إلى وسائل الإعلام العربية واستثارة العاطفة بدل الفكر وتعطيل التحليل المنطقي والحس النقدي للأشخاص للسيطرة على العقل الجمعي العربي, حيث يقوم المتلقي العربي بالاستسلام لها وترديدها لتصبح أمراً واقعاً في قاموسه اللغوي دون الالتفات إلى خطورة المعاني التي تحملها ومدى حقيقتها وصدقها وصحتها كاستخدام مصطلح التسوية السلمية بدلاً من التفاوض وفق الحقائق التي فرضها السلاح واستخدام مصطلح الشرعية الدولية بدلاً من قانون القوة والتفوق العسكري والاقتصادي.
علينا تسليح الأفراد والمجتمعات بالمقدرة الفعلية القادرة على التمييز والفهم والنقد والاختيار وعدم ترك مجتمعاتنا لقمة سائغة للأعداء الذين يرون الحقيقة بالطريقة التي تخدم أطماعهم وهم يصوغون رأي وقناعات الإنسان بكلمات ومصطلحات موجهة بخبث نحو أهداف لم تعد خافية على أحد.
نعمان إبراهيم حميشة