العدد: 9328
الأحد-7-4-2019
ضمن صالة الجولان, التابعة لفرع اتحاد كتّاب اللاذقية, احتفلت الأديبة هدى وسوف, بحضور رئيس فرع الاتحاد د.صلاح الدين يونس, وعدد من الأعضاء الأدباء ولفيف من الحضور والمهتمين بتوقيع روايتها الجديدة /ما بيننا/ والتي أصرّت الأديبة على إهدائها مجاناً لجميع الحضور مذيّلة بتوقيعها.
والمتابع لمسيرة الأديبة هدى وسوف وتجاربها سواء القصصية أم الروائية يُعرف خصائص هذه الأديبة المرهفة الإحساس جداً والرشيقة الأسلوب جداً لدرجة السلاسة لتغدو أغلب كتاباتها كالسهل الممتنع التي تدخل إلى قلب القارئ بسهولة ودون استئذان, لتتكلم بحال واقع كثير من الأشخاص الذين تنقلهم الأديبة ببراعة وبساطة لتسلط الضوء عليهم بالعمق وتدخل لأدق تفاصيل أفكارهم ومشاعرهم.
واليوم في روايتها الجديدة /ما بيننا/ كانت جلسة إضاءات حول الرواية قدم لها كلّ من د. صلاح الدين يونس, والأديب زهير جبور, كما أدار الجلسة الشاعر محمد وحيد علي. وفيما يلي نلقي الضوء على أهم ما جاء في هذه الجلسة: البداية كانت مع الشاعر محمد وحيد علي الذي عرّف بالأديبة هدى وسوف, فقال: شفّافة كالضوء ورقيقة كفراشة تلك هي الأديبة هدى وسوف عضوة اتحاد الكتّاب, والمجازة من كلية الحقوق بجامعة دمشق, لها قصص وروايات عديدة, أديبة مجتهدة, تعزز مسيرتها الأدبية في مثابرة وجدية وإصرار على النجاح, في كتاباتها دفء الكلمات وعبير الأحرف ورهافة الإحساس وتناغم المعاني, تنتقل من الحزن إلى الفرح ومن الآلام إلى التطلع النبيل نحو ينابيع الأمل والرقي والإبداع وهي ترسم شخصياتها وأحداثها بنسغ القلب المحبّ وبشغف الباحث عن النور والانعتاق وهذا ما فعلته في روايتها الجديدة. وفيما يلي قراءة الأديبين د. صلاح الدين يونس, والأديب زهير جبور عن روايتها.
إضاءة د.صلاح الدين يونس: رئيس فرع اتحاد كتّاب اللاذقية
بدأ د. يونس حديثه, فقال: ندوتنا هذه حول عمل أدبي مميز, بعد أن قرأته لساعات بسعادة, فمن أجمل ما يفرح المرء فرحة الإنجاز وفرحة الصنع عندما قرأت هذه الرواية وجدت إنها قصة حبٍّ من نوعٍ فريد ولو شاء لي أو اسْتُشرت لغيّرتُ عنوانها إلى /قصّة حبّ وطنيّة/ أو /قصّة حبّ/ ويتابع: من أهم معالم مجتمعنا أنّ النساء فيه يكتبن ولكن ليست كتابة عادية وإنما هي مشاركة في العمل الوطني والفكري الثقافي, إنها تطلع نحو حرية جديدة, نحو حرية مجتمع يريد أن يتقدمّ, عندما قرأت/ ما بيننا/ شعرت بشيء من البكاء, وقرأتها شعرت بشيء من الفرح.
قدّمت الكاتبة نموذجاً بطولياً مهماً جداً (نسرين) التي لم تعرف الخسارة إلا في الحب, ولكن بنفس الوقت خسارتها في الحبّ كانت انتصاراً مهماً لأنّها ظلّت وفيّة لمن لم يكن لها وفيّاً(نسرين) هي المرأة السورية التي عاشت أزمنة التحول الجديدة, أزمنة صعبة شاركت (نسرين) في هذه الأزمة بوتائر عالية, ربّت أخاها الصغير الذي توفيت أمه عندما وضعته, لكن الذي أبكاني في الرواية هو المولود الذي ربتّه أخته الكبرى حتى صار طبيباً واستقر بمصر, ليس لأني لا أحبّ مصر بالعكس تماماً ولكن شعوري بأنّ نزيف الكوادر هو الأخطر على مجتمعنا, فنزيف الكوادر العلمية تجاوز الحدود, فعندما يتهيأ هذا الكادر العلمي على حساب بلده ومجتمعه فمن حق المجتمع عليه أن يرد له ما أعطاه لتطوير بلده ومجتمعه, /ما بيننا/ هو عمل أدبي راقٍ جداً لأنه يطرح قيم اجتماعية راقية وأهمها الوفاء للوطن, وهذا الوطن يكبر ويتقدم بوفاء وعدم خيانة أبنائه له, ونسرين كانت شخصية تجسد لهذا الوفاء للوطن. نسرين ليست فانتازيا, بل هي شخصية واقعية تعكس حال الغالبية من أبناء هذا الوطن الذين بولائهم ووفائهم وانتمائهم لوطنهم حققوا انتصاراً لذاتهم ومجتمعهم.
إضاءة الأديب زهير جبور
بعد أن قدم لأسماء قصص وروايات الأديبة. بدأ الأديب, زهير جبور كلامه, فقال: كنت قد قرأت هدى وسوف منذ بداياتها, ورافقتها مراحل تطورها وتسميني الأب الروحي, فشكراً لها ومن دواعي سروري أن أكون أباً روحياً لإنسانة اجتهدت في تجربتها لتصقل موهبتها وتدعمها بالثقافة, ثم طرح السؤال /ما بيننا/ ما الذي بيننا؟ هو ليس بالشيء المخفي أو الضبابي, على العكس, هدى وسوف تطرحه بكلّ حبّ ملخصةً إن ما بيننا وطناً يعيش أزمة جُرّدتْ من إنسانيتها, فغدت وحشية, دموية. المعاناة المشتركة والتحدي المصيري, وثمة أفراح صغيرة نحياها, لأن الحياة ينبغي أن تستمر فوق الجراح والخيبات ليبقى فينا الأمل, الذي من دونه سنموت أحياءً. وقد حمل فقراء الوطن شقاء وطنهم. / ما بيننا/ دموع أمهات لشهداء ضحوا, وقد نتج آثاراً سلبية عن حرب ظالمة, عرضت لها الكاتبة وسوف من المنظور الاجتماعي, وليس من المنظور الفردي, بمعنى شخصية المجتمع كحالة موحدة في المأساة وآثارها التي دخلت كل بيت, وقلقها الذي دخل في كل نفس لتحمله العيون تحديقاً ودهشة, واستشهد الأديب زهير جبور بمقتطفات جميلة جداً من الرواية, ليعرض شواهد على استثنائية البطلة /نسرين/ التي جسدت لكثير من النساء السوريات وخاصة في ظروف الحرب, وأيضاً خديجة شخصيات / ما بيننا/ تشبه واقع الحال الاجتماعي لكثير من الأسر السورية الذين ينتمون للطبقة المتوسطة, فكلمة /لا تشكو/ مثلاً ترمز إلى صمود أبناء سورية الذين يحتالون على وضعهم المادي ويعيشون بوفاء.
شخصيات هدى وسوف نطقت بلساننا نحن السوريون, والمرض الخبيث الذي قضى على خديجة, هو نفسه الأزمة الخبيثة التي استهدفت القضاء على قيمنا وآمالنا, وتابع كلامه فقال: /ما بيننا/ رواية للأديبة هدى وسوف عرفت ماذا تريد القول؟ فقالت: رواية/ ما بيننا/ منعطف عما قرآته للكاتبة وسوف من قبل, وقد استطاعت أن تجد تعاريف مباشرة مأخوذة من الحياة ومنها تستمد قيمتها مع مراعاة لقوة الانطباع وواقعية الإحساس التي توفرت فيها مساحة الشعور وهذا ما لم تحققه في روايات سابقة, ولعلها استدركت في / ما بيننا/ مسؤولية الأدب, لذلك اختارت موضوعها بعناية وتمكنت من إيصال النتيجة التي أرادتها. والأحداث تمضي مترابطة ترويها /نسرين/ متنقلة بين التعقيد الحياتي والبساطة مع التأكيد على أن الوطن الذي تعيش فيه تحمله بين ضلوعها /ما بيننا/ حدوتة يمكن البوح بها في حديث وجلسة ورواية, تفاصيل نحياها وقوفاً في دور للحصول على اسطوانة غاز ولوعة نعيشها في هجران الحبيب ودموع أمهات فقدن أعزّ ما عندهن.
آخر الكلام هو كلمة شكر للأديبة هدى وسوف قالت فيها: إذا كان هناك شيء يمكن أن يقال فهو علاوة على الشكر, الامتنان, الامتنان, الذي هو أعلى درجات الشكر. بودّي أن أقبلكم جميعاً قبلةً مودةً واحتراماً, أنا ممتنة لحضوركم جميعاً, لكل من أتى إلى القاعة, وهو مدرك أنه أتى من أجل كتاب هدى وسوف وأشكر أسرتي في / اتحاد الكتابّ/ فرداً فرداً وأحبكم جميعاً, وأفخر أنني أنتمي لهذه الأسرة التي تعنى بشؤون الفكر والثقافة, كما أتقدم بالشكر لدار الينابيع للنشر متمثلة بالأستاذ صقر عليشي الشاعر والصديق والأخ ومديرة أعماله السيدة جيهان خير التي صممت غلاف الرواية, ثم قرأت الأديبة على الحضور مقطعاً من الرواية.
أخيراً:
هناك نقطة هامة يجب ذكرها فيما يخصّ رواية/ ما بيننا/ أنه قدم لها الدكتور حسن حميد الكاتب والناقد تقديماً جميلاً ملخصاً لهذا العمل الذي لابد أن يتأثر به كل من يقرأه ويعجب بالأفكار المترابطة والمضمون الرائع والأسلوب الرشيق للكاتبة وسوف, ونختار من المقدمة ما يلي: رواية تجهر الحبّ .. وضفافه الحزينة!
زفرت زفرة الراحة..
وأنا أطوي الصفحة الأخيرة من هذه الرواية للأديبة هدى وسوف, لأنني عشت ما فيها كما لو أنني كتبتها بأشواقي عوالم ملأى بالضفاف المتناقضة عبر سطر واحد محتشد بالزمان والمكان والشخوص والمشاعر والأحلام
زفرت زفرة الراحة..
وأنا أضع يدي على قلبي… فهذه الرواية رواية حبّ مسرود يذوب القلب المذبوح عشقاً وابتهاجاً بالحبيب, فيمرّ الزمن بالسنوات فلا تمسّ الروح بالشيخوخة, ولا العقل بالتقادم لأن الحبّ يجعل الحياة نافذة مفتوحة على النبل والسّمو تجددّ هواءها في كل لحظة, مثلما تجعل الحبّ بقعة أرجوانية ذات جذر يرعاها اثنان: الضوء والماء, أما الشوق فيصير حلماً يقلبه الليل والنهار كي لا يذبل أو يجفّ أو يجفو.
مهى الشريقي