رقعة فستان لهذه الأيام

الوحدة : 10-8-2022

خياطة الملابس مهنة شاقة، ولها من الصبر ما يدفعك للمكابرة على النفس في الجلوس لساعات طوال، وتحتاج إلى الذوق واللياقة واللباقة في التعامل مع القماش ولينه وحريره، والخبرة تضفي عليها جمالاً ونعومة لقد الحسان ولو كان بهن خصاصة … السيدة نجوى حميشة – رافقت الإبرة والخيط سنوات طوال، وعلى مكوك أيامها شجون وفنون، وما بينهما حسن وجمال. تقول : أحببت الخياطة بداية كموهبة شغفت بجوانبها وأطرافها وألممت بما فيها لأكون خياطة ماهرة طوال هذا العمر، فكانت مورد عيشي ورزقي، أؤمن من خلاله خبز الأولاد وحاجاتهم اليومية، والحمد لله. بداية ورثت المهنة وماكينة الخياطة من والدتي ماركة سينجر الأصلية اليدوية, ولم أكن أعلم أني يوماً ما سأحتاجها فقط سوى للهواية وشغل أوقات الفراغ، وسرعان ما تحولت إلى حرفة وصنعة عندما جارت علينا الأيام في هذه الأوقات الصعبة وبدأت الجارات بإبداء الإعجاب على بعض ما أنتجته وطلب الشراء، فما كان مني بإلحاحهم غير أن أبيعه لهن، ولما ازداد الطلب علي، بدأت أخيط لهن الفساتين والجاكيتات، وحتى أني أعيد صياغة الفستان لحفلة أخرى وأغير ما فيه ليبدو جديداً، وفي سنوات الحرب البغيضة هذه قلت الخياطة وكثر تدوير الملابس ورقعها واستحداث موديلات تليق بما خربته الأيام. فقد رأينا البنطال المشقق والبالي الشفاف، فكان عند الفقير فرح شديد، وهو المزين به، أما بعض السيدات وعددهن قليل جداً، اليوم هنّ يخيطن عندي شرط أن تكون على الموضة، وهو ما يدفعني لأبحث في النت عن آخر الصيحات، وأقدمها لهن أو يأتين لي بالموديل الذي تريده كلاً منهن، كما تحضر معها القماش والزينة والأزرار، لكن وراء كل هذا التعب، هناك من تنهرك على عملك، إذا لم يكن بالصورة التي أرادتها، أو لم يعجبها القماش على تلك التفصيلة، وقد لا يعجبها الأجر الذي أخبرتها به مع أن كل شيء قد ارتفع سعره وأجره من الصوف والأقمشة والخيوط، وأنا مثل كل العاملين، أقعد لساعات طويلة من النهار والليل وراء ماكينة الخياطة، كما أن التفصيل قليل.فكل شكل ولون متوفر بالسوق وبسعر أقل من التفصيل، لكثرة المشاغل والمصانع التي تؤمن حاجة السوق وطلبه، لكن البعض القليل من الفتيات يرغبن بمجاراة المشاهير وطلب ما لبستها ” ساندي أو غاندي ” من بلاد الغرب، لتكون مميزة وليس لها أخت بين بنات جيلها وضيعتها الفقيرة . بعد الانتهاء من واجباتي المنزلية أجلس كل يوم وراء الماكينة برفقة القماش والخيطان بدل التجوال في حارات القرية وإضاعة الوقت، مهنة الخياطة ليست سهلة كما تظن بعضهن، هي هندسة بكل ما تعنيه الكلمة، هندسة الجسم ورسم تفاصيله واحتساب تضاريسه، وتحتاج لتركيز ومتابعة وتصميم واستقراء ما تريده الزبونة دون تعتيم على الموديل وتصريح، هي السهل الممتنع لتحويل القماش المسطح الخالي من الحياة إلى مجسم بطيات وانحناءات يشعر به كل من يراه، إن الخياطة تحتاج لذوق ومهارة وخبرة مع الصبر الشديد، وأتمنى من كل فتاة ليس لديها عمل أن تلجأ للخياطة فإن لم تعمل بها وتسترزق، فعلى الأقل تنفعها لأجل بيتها وزوجها وأولادها تصلح لهم ثيابهم وتخيط ما يطلبونه وبذلك لها فيها التوفير، وأتمنى أن نحافظ على هذه المهنة ولا يصيبها شر الزوال كما غيرها من المهن والحرف في عصر يريد كل شيء جاهزاً.

هدى سلوم

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار