الوحدة:31-7-2022
” أكثر الأمور قيمة في حياتي .. لم أتعلمها في المدرسة ” … هذه المقولة لويل سميث، تختزل حصيلة سنوات طويلة من التجارب والخبرات الحياتية التي تتراكم في الخزان اليومي لشخصية الفرد وردة فعله إزاء المواقف المختلفة التي تصادفه في شتى مجالات عمله أو دراسته… فالحياة هي المدرسة الحقيقية للمعرفة الإنسانية، وليست المقررات المدرسية بمناهجها المعلبة في قوالب جاهزة للحفظ والتكرار. وبينما يركز الأهل على أهمية تفوق أبنائهم في المناهج الدراسية لتحصيل أعلى الدرجات فيها والتي تمكنهم من دخول الجامعة بفروعها العليا – حسب العرف الاجتماعي السائد – فإن خضم الحياة يكشف زيف هذا المفهوم الراسخ في أذهانهم.. فلا أهمية تذكر لنيل طلبة الفروع الجامعية، ذات المكانة العالية في المجتمع كالطب والصيدلة والهندسات بفروعها.. ، التقديرات شبه التامة في موادهم الدراسية المقررة ما لم تقترن بمهارات عملية و بخبرات ميدانية تسمح لهم بتقدير المواقف المختلفة التي تصادفهم والتصرف بموضوعية تدمج ما بين العلم والنجاح الاجتماعي الذي من خلاله يجري الحكم على الشخص بالنجاح أو الفشل.. ونقول هنا ” بموضوعية ” أي وفقاً للمعايير الحقيقية للنجاح، وليس وفق معايير مجتمع لا يرى النجاح إلا من خلال مهن وتخصصات محددة لا يجوز التقييم إلا من خلالها. يقول هاينريش بول : ” لقد علمني الطريق المؤدي للمدرسة ، أكثر مما علمتني المدرسة ” . وهذا الكلام يؤكد ما أسلفنا قوله ، فكلما زادت مساحة التباين بين مقررات الدراسة ومناهجها وبين الواقع الذي نعاينه فى الشارع والبيت والنادي والمؤسسات … يتضح الخلل الكبير بين المناهج النظرية وتطبيقها ، ومن هنا يتوجب على الجهة المعنية بالشأن التربوي والتعليمي أن تبتكر مناهج مدرسية تتواءم مع البيئة المحيطة .. وما دون ذلك يكون الأمر كله بمثابة الدوران في حلقة مفرغة من التخبط والعشوائية في بناء منظومة قيمية وتربوية وتعليمية في المجتمع. أما في الجهة المقابلة، فيقف البعض ممن يمارسون المهن التعليمية كالمدرسين وأصحاب المعاهد والمدارس الخاصة الذين يروجون لمبدأ العلامة التامة في مواد المنهاج الدراسي كمعيار للتفوق – وطبعاً هذا الأمر لن يتحقق إلا إذا التحق طلبتهم بدروسهم الخصوصية أو معاهدهم المسماة تعليمية – فالمدرسة، حسب رأيهم : ( هي البنية التحتية لبناء الوجودنا في الحياة.. ويبقى العقل هو المكمل الرئيسي لنمط الحياة. إذ تحتوي المدرسة على مقررات دراسية ممنهجة ونظريات وعلوم وآداب وتاريخ وجغرافيا ورياضيات وكيمياء وفيزياء وغير ذلك الكثير.. فهل هناك طريق آخر للمعرفة يعلمنا ما هو أفضل من كل تلك المناهج. أما تجارب وخبرات الحياة فهذا شيء مختلف تماماً، وعلى الإنسان أن يختار سلوكه وأسلوبه الشخصي في اكتسابها وبرمجتها في قاموسه الاجتماعي وكل حسب مهاراته وإمكانياته) .. وفي المنتصف يقف أصحاب نظرية التوفيق ما بين المنهج النظري في التربية والتعليم ودور المدرسة الرائد في هذا المجال، وبين علم التعامل والحياة اليومية والاجتماعيات الذي يختلف عن علم التربية و المعرفة، ويؤكدون : ( أن الاختلاف هنا يكمن في الطريقة، فالبيئة المدرسية بكل مكوناتها وهياكلها تأتي في المقدمة لتكون الأساس والركيزة لما يتم اكتسابه خارجها ، أما عملية الدمج بين النسق التعليمي والمهاراتي فيأتي بحسب الإمكانيات الفردية والظروف البيئية والاجتماعية المحيطة بالفرد، ولا يمكن الفصل بين هذين النسقين لأنهما يكملان بعضهما البعض بالأدوار والخبرات والفوائد.. لنصل إلى عملية بناء الذات بشكل تراكمي، وكل مرحلة تتمم المراحل السابقة وتزيد عليها بمعارف ومهارات تساهم في عملية البناء هذه بشكل فعال وسليم) . وختاماً نقول: يعول الكثير من الطلبة – وقبلهم الأهل – على علاماتهم في دخول أحد الفروع الجامعية المرموقة اجتماعياً، وهذا بنظرهم ما يكسبهم المكانة والمركز الهام بين طبقات مجتمعهم… لكن الواقع بتحدياته وظروفه يقود الأمور باتجاه آخر، وربما يكون مغايراً تماماً لتوقعاتهم.. فالنجاح والتميز يأتي بالاجتهاد والبناء الجاد والتعلم المستمر، والأهم من ذلك كله الرغبة في العمل ومحبة تفاصيله و تدرجاته، بعيداً عن أي تقييم خلبي لأهميته في المجتمع .. وطبعاً هذه المقولة خاضعة في نجاحها لعدم تدخل أية عوامل أو ظروف قد تقلب الأمور على أعقابها، ومنها تدخل المحسوبيات والمهارات الملتوية والاختيار بالواسطة أو الطرق غير المشروعة والمتبعة في اختيار الناجحين والمميزين اجتماعياً.. وتحت أي مسمى كان.
فدوى مقوص