الدريكيش جعبة السياحة الأهم

الوحدة 30-7-2022

كُل الدُروب تؤدي إلى الدريكيش، هنا المعنى الكبير الحقيقي للسياحة، في أوقات كانت معظم المناطق الحالية المستحدثة مجهولة وغير مهيأة لتكون منطقة سياحية بامتياز، على هذه الأرض وُلدت السياحة الصحيّة عبر مياهها المعدنية العذبة، وجمال ورونق طبيعتها الغنّاء، والبداية من كورنيشها الذي يطلّ على غابات كثيفة من السنديان الملتف بحنان جانب طريقها العتيق تحتضنه أشجار باسقة من النخيل أعمارها تجاوزت ٤٠ عاماً،

هذا المكان كان مرتعاً لسواح أوروبيين يفترشون المكان بأريحية، كنّا نرى من خلالهم العجب وهم يضمرون أشياء أخرى لراحة أبدانهم من هواء نقي ومياه عذبة للتشافي وخضراوات بعيدة عن تدخّل الكيماويات، هم مختلفون بكل شيء لباسهم وأجسامهم وعيونهم وطريقة نظراتهم كانت مختلفة، المريح فيهم تلك النظرات والابتسامات التي يوزّعونها علينا بأعين زرقاء، هم يعرفون قيمة مياه الدريكيش المعدنية عبر سلفهم الفرنسي الذي مكث طويلاً هنا عبر انتدابه القسري لبلادنا .. وإلى داخل المدينة والبداية عبر مساحة كبيرة من أشجار عملاقة من السنديان تستريح هناك منتجات زراعية قادمة من الريف ومياهه النظيفة العذبة،

سوق الخضار بأنواعها من بندورة جردية وردية اللون بأشكال بعيدة عن التناسق، وخضار ورقية بلدية نضرة وفاكهة يتزعّمها تفاح الجرد العالي، وأنواع مختلفة من الّلوزيات أهمها الجوز وكل هذه الخيرات من قرى حاموش ودوير رسلان والمعمورة ووادي الذهب، والقليعة وبيت يوسف والقرى المحيطة بالنبي متى، وإلى وسط المدينة إلى عين السوق ومياهها المعدنية استراحة القادمين من كل مكان، تعبق بالمكان روائح الذرة المشوية والمسلوقة، وإلى الأمام قليلاً عبر طريق مرصوف بحجارة سوداء بازلتية، حيث جامع المدينة، تلك التحفة التاريخية ومن خلاله تتجلّى فنون العمارة المنسوبة إلى حضارات مارقة من هنا، جانبه النبع المعدني الآخر، نبع الجامع وروعة المكان ونسمات الجبل العليلة، ومن خلال التفافة هادئة بين حواري متمسّكة بأصول العمارة القديمة وحجارتها الخالدة تحكي قِصص عن سكان هذه المدينة، إلى عين الفوقا وأشجار الدلب العملاقة، حيث يسيطر ظلّها على ذلك المرتفع الساحر، وهنا تكمن لذّة المياه وخفّتها على البدن بنسمة باردة تنعش الروح، معظم الأهالي والضيوف يفضّلون شرب المياه من هذا النبع العذب، هنا المدينة التي لا يمكن الّلعب بتفاصيلها العتيقة، طرقاتها وحواريها ثابتة عبر حجارة سوداء عنيدة، من هنا تنطلق السياحة وتفاصيلها الكثيرة إلى الشرق الجبلي وقُراه الغنية بالوديان وينابيع المياه العذبة، إلى مغاور كبيرة غامضة تعاتب صنّاع السياحة وتقصيرهم، أرياف صخرية تُسحر الناظر، إلى نهر قيس دائم الجريان يحكي قِصص كثيرة عن روعة صناعة الخالق لذلك الوادي وخيراته الندية التي تعيش على كتفيه، فتحيا من خلالها عائلات وقرى بعيدة لا تعرف الزيف والطمع، تستقبل الزائر بملقى أهل القرى العفوية برحابة صدرها واتساع إنسانيتها المعهودة، رغم ما أصاب غالبيتهم من مآسٍ أدمت قلوبهم بفقد أبناء شهداء ومصابي حرب، قدّموا أنفسهم قرباناً لوطنهم وحياة أهالهم، ولازال هناك الكثير الكثير عن تفاصيل هذه المدينة العريقة وأريافها الغنية بالأوابد، هنا كانت السياحة وكانت أصولها، فآن لها العودة.

سليمان حسين

تصفح المزيد..
آخر الأخبار