الوحدة: 21- 7- 2022
الشاعر ماهر رجب.. شاعر مجبول بعشق القصيدة، يغزل كلماته بحروف من ألق، وينثر أشعاره في بيادر الخيال، تتزاحم الصور الشعرية التي يلتقطها من الطبيعة والواقع لتسكب جمالها على مسامع القراء والمتلقين، أنيق النظم والحضور، مفرداته عذبة كإيقاع موسيقي يعزف أنغامه بعاطفة وأحاسيس مرهفة الذوق ورقيقة الوصف.. في السطور الآتية نستكشف عوالمه الشعرية ونحلّق في فضاءاته الروائية.. مع الشاعر ماهر رجب كان حوارنا الآتي:
ـ متى كتبت أوّل قصيدة وبمَن تأثرت في كتاباتك؟
خُلقت والشعر سويةً لكن بوادر عشقي للشعر والأدب ظهرت في مراحل الدراسة الأولى مع أول قصيدة حفظها جيلنا نشيد (ماما يا أنغاما) التي تركت أثراً كبيراً في ذاكرتي، وأول مَن علّمني حبّ الأدب الشاعر الكبير سليمان العيسى، لاسيّما بعدما اكتشفت في مراحل عمرية لاحقة أنه ليس شاعر الطفولة وحسب، إنما هو شاعرٌ شامل لكنه لم يُقدَّم لنا إلا كشاعر طفولة، وهنا أعتقد أنه ظُلم.. وفيما بعد ومع دراسة مناهجنا الغنية بأسماء كبيرة تأثرت بالشاعر إيليا أبو ماضي والمتنبي والسيّاب وجبران والجواهري… أما أول قصيدة كتبتها كانت في الصف الخامس الابتدائي ولازلت أحتفظ بها إلى الآن، مع تميزي في مادة التعبير الكتابي، وميلي إلى المواد الأدبية بشكل عام، وفيما يخص تأثري فإذا كان بالمعنى الدارج ـ التقليد – فإني لم أقلّد أحداً، أما بالروائيين فقد تأثرت جداً بالروائي إحسان عبد القدّوس، وأكثر من لامس قلبي كانت الأديبة غادة السّمان.
ـ ما هي عوامل أو قواعد نجاح القصيدة حتى تصل إلى قلوب المتلقّين وتطرقها بأحاسيسك ومشاعرك؟
أعتمد بدايةً على صدق إحساسي إضافةً إلى الإلمام بقواعد اللغة العربية وهذا شيء أساسي في بناء القصيدة، والإيقاع الموسيقي ومتانة البناء خاصة وأنّي أكتب قصيدة النثر التي تتطلب تحرراً من القيود، إذ لا أميل إلى الشعر الموزون المقفّى.
ـ مفردات الطبيعة حاضرةٌ في أشعارك، صِف لنا علاقتك بها؟
مدينة اللاذقية أعدّها من أجمل مدن العالم، ببحرها وسهلها وجبلها.. فالعيش وسط هذا الجمال سيؤثر حتماً على أي شاعر، وأعتقد أن اللاذقية ظُلمت من كتّابها، فهي كمعشوقة جميلة جداً ظلمها عشيقها وتغزل بغيرها، فدمشق ـ بحكم العادة ـ مع محبتي الكبيرة لها كانت لها الحصة الأكبر من غزل شعرائنا.
ـ حواراتك الجميلة مع مفردات الطبيعة كيف توظّفها في بناء قصائدك؟
عندما يكون الكاتب صادقاً وبعيداً عن الزخرفة الكلامية والمشاعر الرخيصة هنا تضيع الإجابات وتتبعثر الكلمات، ويبقى السؤال دون جواب.
ـ برأيك متى تكون القصيدة استفزازية وتثير التساؤلات لدى المتلقي؟
الحالة الاستفزازية تنشأ عندما تكون الحالة من صلب الواقع وتلمس مشاعر القارئ أو المستمع، وتُخرج ما بداخله، وهذا حدث معي في كثير من قصائدي التي أنشرها على صفحتي الخاصة في الفيسبوك وتأتيني التعليقات من كل أنحاء العالم، وتدور حوارات طويلة بيني وبين الجمهور.
ـ ولكن هذا الجمهور نراه مبتعداً إلى حدّ ما عن حضور الفعاليات والملتقيات الشعرية، ما أسباب هذه القطيعة برأيك؟
السبب ليس الجمهور إنما المشكلة أن المادة المطروحة لا تلامس القارئ أو المستمع، فعندما آتي بمفردات المتنبي وألقيها على مسامع جمهور اليوم فلن ألامس مشاعر شباب عصرنا اليوم، وهذا شهدته مع ديواني الأول (لغة مختلفة) الذي نفد من المكتبات خلال شهرين فقط، لأني قاربت مشاعر الشباب وواكبت العصر…
أنا مشروع شاعر ولست شاعراً، وأُهدى أسبوعياً كتباً ودواوين و.. أجد صعوبة في القراءة من اللغة العربية الصعبة المكتوبة بها القصائد إلى الركاكة غير المفهومة، والفلسفة، فإن كان أدونيس نجح في شعره الفلسفي فهذا لا يعني بالضرورة نجاح كل محاولة بعده فهو استثناء، الأدب العربي ليس واضحاً اليوم، إضافة إلى أن الأدب أصبح (بريستيجاً) فعندما أطرح نفسي كشاعر أو أديب أو كاتب بلغة لا تحاكي شباب اليوم وبالتالي لن أصل إليهم.
ـ وماذا عن الملتقيات الثقافية؟
لا أؤيدها أبداً، رغم أني خضت تجربتها ودُعيت إليها، لكنها قائمة على الشللية المطلقة، بعيدة عن المثقفين والنخبويين، حتى أن بعضهم لا يفرق بين المبتدأ والخبر، ولا يعرف الفعل الماضي من المضارع.. تكريمات وهمية أرفضها بالمطلق، فتجربتي ماتزال متواضعة أمام تجارب عمالقة الشعر كسليمان العيسى مثلاً، ومن المبكر الحديث عن التكريم، وأخجل أن أسمي نفسي أديباً أو كاتباً أمام الكبار: كوليت خوري أو غادة السمّان، وأعيد: إني مشروع شاعر أو أديب، ولكن كي لا نظلم الملتقيات أعتقد أن الوضع في دمشق أفضل.
ـ هذا يدفعنا إلى سؤالك: إلى أي قارئ تقدم موائدك الشعرية؟
الأدب الحقيقي يلامس الكل، أي العامّة، وأرفض الأدب النخبوي، فمقاطع الهايكو التي أنشرها، تأتيني الردود والتعليقات عليها من مختلف الفئات العمرية والاجتماعية والثقافية ووو، كلّ حسب مستواه وبيئته، ليبقى الجوهر واحد، فسعادتي تكون أكبر عندما تتصل بي ربّة منزل أو عامل بناء، مع احترامي وتقديري الكبيرين لكل المهن الشريفة، إضافة إلى جمهوري من المثقفين والأساتذة الجامعيين ورجال القانون والإعلاميين ومن كل أنحاء العالم…
ـ كفرد من أفراد الحركة الثقافية كيف تستقرئ واقع الحراك الثقافي الحالي؟
أنا متفائل بكل شيء في بلدي الحبيب سورية، ولكن التفاؤل يحتاج إلى أن يقترن بالمنطق والواقع، فالقائمون على الحراك الثقافي لا يعملون بالشكل الصحيح، وأرى أن وزارة الإعلام تكاد تكون الوحيدة الساعية إلى نشر الثقافة، مع تقديرنا لجهود البقية، من منظمات شعبية ونقابات ووزارات.. مع الحرص على إعطاء الفرصة للشباب في إدارة الحراك الثقافي ونشر الوعي، توافقاً مع الصدق في الإبداع الذي سيدفع عجلة الحركة الثقافية إلى الأمام.
ـ حدثنا عن تجربتك في عالم الرواية؟
الرواية أهم وأحبّ الأجناس الأدبية إلى قلبي، وأحضّر حالياً عملاً روائياً سيكون تجربتي الأولى في عالم الرواية، أتمنى أن ينال أصداءً كبيرة كتجربتي الشعرية، لكنه سيؤجل إلى وقت لاحق لانشغالي في تحضير ديواني الثاني (أعلن أنني عاشق).
الذي سيبصر النور قريباً بعد ديواني الأول (لغة مختلفة) الذي ركزت فيه على الهايكو، لكنّه طُبع على عجالة، فوردت فيه بعض الأخطاء الطباعية وليس اللغوية والتي لم نستطع تداركها.. قدمته عربون حبّ لبلدي سورية، أمام الحرب الكونية عليها، ليكون لي هامش في فضاء العالم العربي، يثبت أننا قادرون على الكتابة عن الحب والغزل رغم الحرب لأننا نحن السوريين أبناء الحب وأبناء الحياة.
أما (أعلن أنني عاشق) يعتمد على القصائد النثرية الطويلة أكثر، وتجربتي الأدبية أصبحت أكثر نضوجاً، وسيكون متنوع المواضيع.
– الأنثى.. أين نجدها بين سطور قصائدك؟
الأنثى في حياة الرجل هي كل شيء كما هو في حياتها، الأنثى هي الأم والأخت والحبيبة والصديقة ورفيقة الدرب والشريكة، لكني ضد مَن تدّعي الأنوثة، أنا مع الأنثى الحقيقية.. العاملة.. المثقفة.. التي تقف إلى جانب الرجل وليس أمامه أو خلفه، منافسة له، داعمة له، تعده أخاً وزوجاً وأباً ورفيقاً وحبيباً… وأكره محاربتها للرجل، وهذا ما نجده في الأدب النسوي عموماً.
– كيف توصّف علاقتك بوسائل التواصل الاجتماعي؟ وبرأيك هل ساهمت في زيادة أو انحسار انتشار الشعراء، فهي سلاح ذو حدّين؟
أنا ناشط على وسائل التواصل وعلاقتي بها إيجابية جداً، فاليوم عصر الفيس والأنستغرام وغيرهما.. فاللقاء التلفزيوني يُشاهد على صفحتي الشخصية أكثر من القناة الفضائية التلفزيونية التي تعرضه، ويُشاهد في كل أنحاء العالم، وبالنهاية كل شيء له إيجابياته وسلبياته، لكني أراها إيجابية أكثر، خدمتني جداً في انتشاري وتواصلي مع الجمهور والمتلقين.
– كلمة أخيرة لقرّاء الوحدة.
أشكركم على هذا اللقاء الممتع، وأشكر العاملين وأسرة التحرير في جريدة الوحدة الأعز على قلوبنا جميعاً مذ كنّا صغاراً نقرأها ونتابعها وخاصة زاوية (وقال البحر) لطالما نحن أبناء البحر، ولكل القراء ألف تحية مع نسائم الصيف الجميلة من لاذقيتنا الرائعة.
ريم جبيلي