كيــــف عكـــــس أدبـــــــــاء السـّـــــاحل تأثـّــــــرهم بالبحــــــــــــر؟

العـــــدد 9323

الأحـــــــــــد31 آذار 2019

 

من منّا لا يحبّ البحر وأمواجه التي تناغي الفؤاد بهديرها ونجواها وتسبيحها؟! وقد حبانا الله سبحانه وتعالى بأن جعله في منطقتنا، مما خلق بيننا وبينه معايشة مناخية وإنسانية مميزة، نناجيه ويكتم أسرارنا، ويشاطرنا أفراحنا وأتراحنا، ومن شأن هذه المعايشة توثيق الصلات بيننا، وعكس ذلك على سلوكنا وصفاتنا حتى على تفكيرنا ومشاعرنا، ولكن لكل واحد منّا طريقته الخاصة في التأثير والتعبير. فكيف عكس أدباء الساحل ذاك التأثير في نتاجهم الأدبي؟ سؤالنا كنّا قد توجهنا به إلى مجموعة من أدبائنا، وكانت الحصيلة الاستطلاع الآتي، فلنتابع معاً..
* الشاعر ممدوح لايقة: البحر هذا الكائن العجيب، هو جملة من الحيوات والفصول والطقوس والألوان والحالات والأمزجة، عوالم متناقضة متآلفة، وهو متعدد الأطوار ومتقلب الأهواء والأحوال، فهو تارة غول مرعب، وحش كاسر لا يعرف الرحمة، وتارة أخرى شيخ جليل حكيم، أو صبي شقي مكشوف ساذج شفاف، أو سر مستغلق سحيق، هو التضاد المنسجم، الفراغ الممتلئ، الزحام الموحش، صديقي اللدود! وبما أنه – إذا ذاك – غير حيادي، فهو ساحر، آسر يتغلغل في الوجدان قصصاً وأساطير يغري بإبهامه، ويلهم بغموضه، ولست أدري لماذا أجدني أحس بحال من الرهبة أمامه هل لأني لا أجيد السباحة ؟ أم لأنه الرحم الأول لذاكرتي؟
المهم أنه في كل حالاته يبقى الصديق الأعز حين أكون في حالات الضيق، أحب أن أكون معه في فصل الشتاء حين يهجره الجميع، أتعلم منه الصبر والحكمة والعزم والحب، في المحصلة البحر هو جزء هام من عالمي الذي أمنح من فضائه قصائدي، وهو وإن لم يظهر جلياً في معظم قصائدي فقدد ظهر بشكل أو بآخر مفتاحاً لعوالم مدهشة وأحياناً كثيرة غريماً ونداً من لحم ودم، في إحدى قصائدي أقول:
مشط البحر لحيته بالغضب
فاغراً شدق أحقاده
ووثب
قادني جنده في الظلام
إلى برزخ ضيق
ثم ألقوا الجبال على هامتي..
فانحنت قامتي
* الكاتبة هدى وسوف: لا بد أن نتذكر المقولة المعروفة بأن الإنسان ابن البيئة، فالبيئة تطبع الإنسان بخصائصها ومفرداتها، ويبدو أثرها جلياً وواضحاً في كثير من الأحيان حتى سماته الخارجية وتظل البيئة ملتصقة بالمرء أينما حل، وهناك فئة الأفراد يكون للبيئة ولعوامل الطبيعة تحديداً أثرها الخاص والمباشر عليهم، وهم فئة الأدباء، وهذا أمر طبيعي لأن الأديب إنسان مرهف الحّس، وهذا ما يميزه إذ يلتقط من حوله أبسط الصور وأصغرها ليصوغ منها قصيدة أو قصة فهل يمكن لأديب جاور البحر وعايشه، وشهد غروب الشمس، وعرف صخب الأمواج وزرقة المياه اللامتناهية إلاّ يتأثر بالبحر ويكتب عنه ؟!
قلما خلا نتاج أديب ساحلي من وجود البحر وذكره في أعماله، وكثيراً هي أسماء الأدباء لذلك وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن ذكر بعضها، وأول ما يتبادر إلى الذهن الأديب الكبير حنا مينه – رحمه الله – الذي يعد من رواد البحر في الرواية العربية إذ تخصص في موضوع البحر وقضاياه، فألهمه البحر الكثير من الشخصيات الأسطورية في قوتها، والكثير من المواضيع والقصص التي قدمت للقارئ المتعة وأعطت دروساً في قوة الإرادة والتغلب على الصعاب، ومن هذه الروايات: «الشراع والعاصفة»، «الياطر»، «حكايا بحار»، «الدقل»، «المرفأ البعيد»، «نهاية رجل شجاع»، ولا ننسى الأديب السوري «حيدر حيدر» الذي تناول البحر في أكثر من رواية له تدور أحداثها في قرى ومدن ساحلية يعايش سكانها البحر، يستحمون بمياهه في علاقة مباشرة وحميمية مع الموج والشمس والرمل، ويظهر ذلك في «شموس الفجر» و «وليمة لأعشاب البحر»، وكذلك أديباتنا لم يخل نتاجهن من تأثير البحر، فها هي الأديبة «أنيسة عبود» تبدو وقد استفاضت في كتاباتها عن البحر، ويظهر ذلك من أول مجموعة قصصية لها حين تنزع الأقنعة فالبحر حاضر في أغلب القصص وخاصة النورس، وكذلك في رواياتها «النعنع البري» التي تدور أحداثها عن القرى الساحلية، وعن مدينة ساحلية على شاطىء البحر، فالبحر موجود بقوة وهو مركز لكثير من الأحداث، أما الأديبة «هيفاء بيطار»فقد تناولت البحر في أكثر من عمل، في روايتها «أفراح صغيرة أفراح أخيرة» وابتداء من صورة الغلاف وحتى آخر الصفحات نرى أثر البحر والبيئة الساحلية في كل الصفحات، في الشاليه، في المقصف، في النزهات والإجازات الصيفية للمصطافين والقادمين من خارج المحافظة، وكذلك في رواية «أبواب مواربة»التي تتحدث فيها عن مدينة اللاذقية.
* الشاعر إبراهيم سويد: حين يسأل عن البحر وما يعنيه، وما يوحي به؟ تضيق الصفحات للإجابة عنه، باختصار: البحر يعني العطاء ويعني الخصوبة، ويعني الجمال اللامتناهي إنه الملاءة الزرقاء للطبيعة، عروس الكون، وهو امتداد لسحرها الأخاذ، إنه الجانب الآخر المهيب لهذا العالم الحي الزاخر بالحركة والتجدد المستمر.
البحر يعني العظمة والجلال والجبروت، وهو في الوقت نفسه متعة الأبصار وملاذ الأفئدة، ومعتق الأرواح من أوجاعها وسجون همومها الدفينة.
البحر هذا الكائن العظيم القديم كان ملهم الشعراء كشياطين عبقر منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، ولم يزل كذلك، فقد رآه زهير بن أبي سلمى مثلاً أعلى للكرام بلا حدود في عطائه وجوده، لذا شبه ممدوحه هرم بن سنان بالبحر اقتراناً له به.
هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله، وهو بالنسبة لي كشاعر هو المدى الأوسع للخيال، والموئل الأفضل للتأمل والتفكير، والمحرك الأغنى للعقول، وهو الواحة الكونية الأرحب لأحلام وخيالات المبدعين فقد قلت فيه:
البحر هذا الكائن الجبار
يزخر بالعطاء
يخضل بالأمواج، يفترش المدى بثيابه
الزرق من ألق وماء
ويسوده صمت الوقار
كمرسل بالحكمة العذراء
من كبد السماء
وينور، هائجاً
متوتراً، متحدياً صلف الشتاء
ويروق عند الصيف .. يهدأ
مثل صدر السلسبيل
معطراً أفق المساء.

رفيدة يونس أحمد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار