العدد: 9322
28-3-2019
مع كلِّ يومٍ جديدِ، نسلبْ السّاعات الطويلة فوق ذاكرةٍ لن تعود، وإنّما تبقى مجرّد ذاكرةٍ، مهما استجدينا قدومها.
أحايين كثيرةٍ ننسى الحاضر وقادم الأيّام، بعد أن تسيطر علينا حالةٌ من الغرق في مياهٍ لا تنفع فيها السباحة.
هل الحاجة تدعونا إلى ذلك؟ أم العمر الذي لم يعد فيه من الشّباب أو الصّحة إلا القليل.
ذلك القليل الذي لا يكفي إلاّ للعلاج والدّواء، أو زيارة طبيبٍ ملّ بأدويته منّا، فننسحب إلى أيّام الصّحة والعافية والسّهرات التي كانت تنعشنا ولا تضنينا.
في هذه الأيّام: الخوف لأمثالنا مع الهواء والماء، فيقتل فينا جرأة الماضي التي كانت تتساوى وأبطال القصص.
في سهرة خوفٍ مع القلّة الباقية من أصدقائي والتي امتدّت حتى ساعات الفجر الأولى: وجدتُ نفسي معلّقاً على غصن شجرةٍ تجاور نهراً يجري بدموعه، ذلك النّهر الذي يسبح فيه العمر، والآن بانتظار أن ينكسر ذلك الغصن.
ما يؤلم حقّاً: تلك الأعمار الصغيرة التي لا تحمل ذاكرةٍ تأوي إليها ولا أيّاماً قادمةً لها دروب حياةٍ، نتيجة انغماسهم في شراهةٍ يوميّة لكلّ شيءٍ، وكأنّهم يسيّجون كلّ ساعةٍ قادمةٍ، وما أكثر هؤلاء الذين أرهقوا بيوتهم التي ينتمون، ويتوّجون أنفسهم برغباتٍ لا حدود لها، وعلى الآخرين تقديمها لهم بالرضا والسرور، مع انحناءةٍ توحي بتقديم المزيد، وإلاّ فنيران مراهقتهم يضرمونها مع كل مساوئ السّلوك، ممّا يذكّرني بحادثةٍ منفردةٍ مع أحد أترابي يوم كانت ثماره لم تنضج بعد، ولا يكاد يصل للعقد الثّاني، حين اتّفق مع من هي أصغر منه سنّاً على الهروب إلى المجهول، بحجّة أنّ عشقهما الصغير هو من سيحقق لها جوف غيمةٍ لا ينقطع مطرها، وأمواج بحارٍ تعلّم الأسفار.
أذكر أيضاً أنّه قال لي: (العشق في الصّغر، كالنّقس في الحجر) .
في سهرة الأغصان اليابسة، التقيته وكان أشدّ خوفاً منّي وهو يردّد: (العشق في الصغر، رمادٌ في البصر)
وما أكثر رماد هذه الأيّام، والتي من الصعوبة أن تذروها الرياح، ولو كانت تلك الرياح بسرعة الصّوت.
سمير عوض