قـــراءة موجــزة للباحــث عاطف حسن في كتــــاب «تأمــــلات في الثقافـة العربية- المســــارات وآفـــــــاق الحــــل»

العدد: 9322

28-3-2019

 

بين أيدينا كتاب يحاول مقاربة التراث بأدوات نقدية لا ترتهن لقداسته بقدر ما تخلص للوعي، ولئن كان النقد الثقافي هو الوسيلة، فإن الغاية هي تأملات فكرية تسهم في وضع اليد على جرح الثقافة العربية النازف، وتسعى لتقديم اقتراحات تساعد على اندماله، فالباحث عاطف حسن يفرّق بين الماضي المحفّز على ديمومة إبداعية متحركة ومستمرة بدافع من قوة التحول، وبين الماضي من حيث هو سكوني لا يوحي إلا بثبوتية معاييره المغلقة، وبذلك فالباحث يستوعب التراث، ويضيء بعض جوانبه الخفية، ويتّخذ منه بعض المواقف التي تبدو صادمة لأول وهلة، وذلك كلّه في سبيل تشكيل رؤية نقدية ثقافية تخالف السائد، وتتمرد على المألوف.
يحتاج الخطاب الفكري المعاصر إلى إعادة قراءة التاريخ بعقل بارد، فالعاطفة تخفي العيوب، و تطمس الحقائق، ومن هنا يجب على العقل العربي أن يجدد علاقاته مع التراث بتجديد نظرته إلى الذات الجمعية العربية، ومن جانب آخر يسعى هذا العقل إلى امتلاك فلسفة مغايرة يوجّه من خلالها إرادة المعرفة والسؤال، سعياً إلى تشكيل وعي ثقافي يتجاوز الوعي السلفي، ويؤسس لثقافة الحوار والاختلاف.
ومن هنا يقف الباحث عند حقيقة الثقافة العربية، محاولاً كشف العوامل التي أدّت إلى جمودها، كما يقف أيضاً عند محطات مشرقة في التاريخ الفكري العربي، مستعرضاً تجارب الأوّلين على سبيل استخلاص العبر، ومؤطّراً ذلك بمساءلة البنية الفكرية العربية، وارتباطها السلبي باللغة والدين، قبل أن يناقش دور الغرب في دعم هذه البنية من خلال تبنيه لفكرة (العولمة) بمعناها المنافي لأي عمل إنساني يعترف بوجود حيثيات ثقافية تميز مجموعة إنسانية عن أخرى، ليصل إلى اقتراحات تتمحور حول ضرورة نهوض الراهن العربي انطلاقاً من التحالف مع قوى خارجية فاعلة، لضعفه الآني في مواجهة دول العولمة ومشروعها الإلغائي، كما تتمحور حول العلمانية بمفهومها الصحيح .
لن يدخل هذا التقديم في تفاصيل الكتاب، بل سيترك للقارئ مهمة البحث والاكتشاف، وحسبنا أننا وقفنا عند بعض الإشارات الدالة التي تؤسس لقراءة تحتفي بالأسئلة، و متن الكتاب حافلٌ بها، وحسبنا أن نشير بأمانة إلى التزام الباحث بالموضوعية، وربطه المقدمات بالنتائج، واستخدامه لغة مأنوسة لا تتعالى على القارئ، و تحرره من الاستلاب التاريخي في مقاربة التراث، وسعيه الدؤوب إلى الانعتاق من مفهوم الانتمائية المغلقة، وتطلعه إلى مستقبل أفضل انطلاقاً من معاينة الإشكالات التي حادت بنا عن طريق الحضارة إلى حين، وتفكيكها بمنهجية علمية تُرهص الحل .

د.محمد علي

 

 

 


 

د.محمد علي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار