قرى الريف الشمالي (السياحية الخالصة).. في طريق العودة

الوحدة : 24-6-2022

ريف اللاذقية الشمالي، أوابد من الجمال الرباني، نُسجت خيوطه على طريق حلب القديم، هي دُرر متناثرة في طبيعة بكر تجلّت تقاسيمها على كتف ذلك النهر الكبير القادم من الشمال، حيث يتلو حكايات مجيدة عن أخوة متحابين وحّدتهم لغة الحياة المشتركة عبر عصور غابرة، فكانوا حكاية تراثية تناقلتها تلك الطبيعة المستوحاة من وحي الجمال، فصبّت أنفاسها على ذلك الكوع الشهير ومحتواه الأخّاذ، على حافة قرية السفكون وطريقها الكهل وما أصابه من ويلات وقسوة الطبيعة عبر التآكل والانهدام في بعض أجزائه، هنا كان ملقى الكثيرين العابرين من بعيد لتكون لكناتهم عنواناً عريضاً يجمع أبناء محافظات الداخل والشمال والساحل، فكانت المقاهي والاستراحات سرّ السياحة الداخلية وملعبها الرحب، ومن كوع السفكون وتلك الروابي هبّت نسائم المناقيش والفطائر، وتميّزت المجالس الشعبية بنكهة البن لتقتحم مخيلات وعواطف الأدب وبناء الشعر لتكون خامة خالصة للوصف والإبداع والحنين الماضي، هنا كان يلتقي المسافر القادم من شهباء الشمال وعنوان تجارتها واقتصادها المتين مروراً بإدلب الخضراء حلقة الربط الأجمل عبر أريحتها وجسرها العتيق وشغورها العالية، ليكتمل المشهد على قارعة السفكون ملقى الجميع، حيث يبدأ السفر الآخر عبر مشوار طويل نهايته جبلية في مصايف صلنفة أو بحرية جبلية بآنٍ معاً في رأس البسيط وكسب الجمال .. فهل سنشهد تلك العودة ومعانيها الكبيرة، عبر تلك الطريق وضوضائها؟ وهل ستعود روائح الوجود ونكهة التنور العربي في ذلك المكان، وتعود أنوار سيارات العابرين وضجيجها إلى عهدها السابق؟ أم ستستكين الأمور لشريان طريق عريض وأوتوستراده الصامت .. العودة أجمل

* قرية كفرية تزخر بمعالم الجمال

من كفرية تبدأ الحكاية الأخرى، هنا على قارعة مفرقها ينتظر الكثيرون، تقسم القرية لقسمين فوقانية وتحتانية، يُعد نهرها وروافده من الينابيع أحد أهم معالمها الجمالية وما يتبع طبيعتها من تضاريس وحواف جبلية بغاية الروعة، (كانت) تسير بين أوديتها عربات الأسفلت المعلّقة المتوقّفة عن الحياة، وإلى الشرق منها قليلاً يتربع جبل النوبة الاستراتيجي الجار الأبدي الذي يسيطر على مساحة كبيرة من تلك المنطقة والقريب من الحدود الإدارية لمحافظة إدلب، تستظل به عدّة قرى ومزارع، يجاورها القرية الوادعة وطى الخان التي تغفو على كتف نهر الكبير الشمالي، تتبع كفرية لمنطقة الحفة وتتوضّع على سفح جبلي مزيّن بالغابات وبعض المعالم الأثرية التي لا زالت قائمة حتى الّلحظة، أهلها بارعون بالزراعات كافة لاسيما الفاكهة حيث تشتهر القرية بأنواع كثيرة من التين واللوزيات، وتٌعد موطناً هاماً لشجرة الزيتون وخيراتها الوفيرة وأنواعاً لذيذة من العنب، إضافة لزراعات أخرى حقلية تُروى أغلبها من نهرها العذب، وإلى الغرب القريب منها تقع منطقة قبر العبد جملة المواصلات الأهم، حيث جسر القطار المعلّق بين جبلين وتحته ينساب بقوة أوتوستراد اللاذقية – حلب بمسربين عملاقين تحمله أضلاع وأعمدة كبيرة قوية ليشكل بتلك المنطقة عنواناً آخر للجمال ويضع إضافة حديثة لعقدة طرقية لا منافس لها بالشرق الأوسط، فكان قدَر تلك الأماكن أن تتوقّف عن الحركة نسبياً لوقوعها بجانب مناطق شذّاذ الحياة من التكفيريين القادمين لتخريب حضارة عريقة، أشاد بنيانها أجيال متعاقبة، صنعوا مكونات الحياة وقاوموا مرارة البُعد عن المدينة الكبيرة عبر تأمين وسائل الحياة الضرورية من جميع النواحي الحياتية لتكون أنموذجاً آخر للحياة الريفية الخالصة .

* الغنيمية تنفض غبار البعد وشبح الإرهاب

الغنيمية قرية جبليّة صغيرة ضمن سلسلة جبال ريف اللاذقية الشمالي، تتبع لمصيف سلمى وتبعد عنها نحو ٧ كم وعن اللاذقية حوالي ٤٤ كم، تتبع لمجلس بلدية وطى الخان على طريق حلب القديم، فبعد سنين من الانتظار والترقّب عادت الحياة تنبض في قرية الغنيمية التي تمتلك كامل المقومات السياحية الجبلية الخالصة، نفضت أوابدها ومعالمها السياحية غبار الحرمان والبعد بسبب الحرب الإرهابية العالمية الظالمة التي فُرضت على البلاد، وبدأت الحياة الطبيعية تعود إلى تلك المعالم التاريخية السياحية، فأخذت أشكال الحياة من جميع المناحي تعود إليها شيئاً فشيئاً عبر صيانات شاملة تكفّلت بها مؤسسات الدولة بالتعاون مع بطريركية الروم الأرثوذكس من خلال ترميم منازل العائدين والصيانات الطرقية وتقديم كافة أشكال الدعم للراغبين بالعودة إلى قُراهم الآمنة، هذه التحفة السياحية غنية بمياه الينابيع التي تنساب بين بساتينها، تنمو فيها كافة أشجار الفاكهة المميّزة، يعمل أهلها بالزراعة وهم بارعون بإنتاج أفضل الزراعات الحقلية، ومن النواحي الخدمية قامت ورشات الشركة العامة للكهرباء بإعادة ما تم تخريبه من خلال إعادة تأهيل مراكز التحويل وترميم الشبكات والطرق وتعبيد المتضرّر منها وهذه الخدمات من شأنها تشجيع الأهالي للعودة إلى منازلهم وإعادة روح الحياة المشتركة إلى سابق عهدها بتلك المناطق التي تشكّل مع أخواتها في الريف الشمالي إحدى أهم المعالم السياحية على الساحل.

سليمان حسين

تصفح المزيد..
آخر الأخبار