10 كيلـــو مــــترات مــن الأرض

العدد: 9322

28-3-2019

الإعلامية أوغاريت دندش قدمت في حفل توقيع كتابها الأول في دار الأسد للثقافة أجمل تقديم يليق بإعلامية نذرت نفسها للحقيقة، قيل: في جعبتها أبجدية حية، قصص عن أساطير يومنا هذا، فيها عظمة الأمهات، وعطر الجرحى، وحسرة المخطوفين، ووداع الشهداء، إعلاميتنا المحبة لأرضها أخذت لنفسها خطاً مختلفاً، تركت رفاهية الكاميرات الثابتة والاستديوهات، وخاضت غمار إحدى أصعب المهن في أخطر حرب ضمن أحلك الظروف، قررت أن تعطي قلبها قبل عملها لآلام الناس وآمالهم، أحبها الناس لأنها منهم، لأنها صادقة، ولأنها صاحبة قضية، وهم قضيتها، لأن إعلامها رسالة وليس مهنة، فاستجمعت ذكريات آمال وآلام وصور وما يمكن تسميته وجدان الناس لهذه الحرب، لتنقل لنا الوجه الآخر والوجه الحقيقي لكل ما جرى وتبلغ في نفوسنا أعمق ما فيها من مشاعر وآلام إنسانية.

 

(عشرة كيلو مترات من الأرض) هربت في الماضي من سايكس بيكو وسقطت على عتبات منازلنا واليوم هذه العشرة كيلو مترات ساهمت في إسقاط سايكس بيكو جديدة سقطت لتستقر هذه التجربة على وريقات كتابها الأول.
وفي سؤالنا قبل حفل التوقيع عن أهمية الكتاب ولماذا في محافظة اللاذقية؟ أجابت دندش: في اللاذقية مثل كل المحافظات التي تنقلت فيها جزء من سورية التي أحب، وطبيعي جداً وجودي في اللاذقية عدا عن كونها مدينة أوغاريت إلا أن محبتها كبيرة في قلبي.
وعن سؤالنا لها عن أهمية الكتاب بشكل عام؟
قالت: إن أهمية الكتاب تكتسب من الرسالة الموجودة فيه ومن تفاعل الناس مع هذه الرسالة، وحاولت بصدق أن أنقل هذه التجربة التي عشتها ثماني سنوات على جبهات القتال، وفي بيوت السوريين تنقلت بينهم وقابلتهم أثناء الحرب، لأقول: إن هذه الحرب بتفاصيلها البشعة والمؤلمة لها آثار وأسباب ونتائج يجب أن نتعامل معها، ليس فقط النتائج أيضاً الأسباب التي كان لها انعكاس على كل شرائح المجتمع بشكل مدمر، فنحن بحاجة أن نتكلم عن هذه التجربة، وننقل كل ما رأيناه بصدق وشفافية محاولة منّا أن نجنب سورية ونجنب أجيالنا المقبلة حرباً جديدة هذه هي الرسالة الموجودة في الكتاب وهي تعنى بالإنسان بالدرجة الأولى وكل ما عاناه.
وعن سؤالنا عن أهمية طباعة الكتاب ورقياً وعدم الاكتفاء بالسلسلة الوثائقية المتلفزة؟
قالت: لا شك أن الصورة تقول كلاماً أكثر من الورق، ولكن الكاميرا أحياناً لا تنقل الأحاسيس والتفاصيل، كما نتفاعل معها نحن وما زلت مؤمنة حتى اليوم على الرغم من أن الكتاب تراجع بكثير من الأحيان حسب اعتقاد البعض إلا أن الكتاب يبقى وثيقة وهي حاجة ضرورية وقريبة لمتناول الجميع، وفيها من التفاصيل ومن الرؤيا ومن ذات الكاتب الكثير وبطرق مختلفة، وهذه الوثيقة هي واجب كانت ولذلك أخرجتها على شكل كتاب مطبوع.
تقول الكاتبة والإعلامية أوغاريت دندش:

( عشرة كيلو مترات.. من الأرض) عنوان الكتاب: هي المسافة التي فرضتها سايكس بيكو بين الحدود اللبنانية والسورية في منطقة المصنع، سألتني صديقة يوماً ما: إذا متنا في هذا الجزء من الطريق، هل سندفن في سورية أو في لبنان؟ ثمانية وثلاثون عاماً وأنا أؤمن أنني أنتمي إلى هذه الأرض السورية، فأينما دفنت، فسأكون في سورية مشهور دندش الذي أورثني حبها جينياً، اجتزت هذا الطريق ذهاباً وإياباً مئات المرات، وفي كل مرة كنت أشعر كم أنه يشبهني، مثله أنا، أنتمي إلى البلدين كليهما إلى مدينتين لا تشبهان بعضهما بعضاً لكنني أشبههما.
أقف في المنتصف، يشدني الحنين إلى ذكريات الدراسة في البقاع والجامعة في بيروت وسنوات التفتح الأولى وفي الطرف الآخر قوة جذب تمارسها دمشق على زائريها حتى الغرباء منهم، تخدّرهم تؤدي طقوسها السحرية عليهم فيهيمون في شوارعها العتيقة بحثاً عن أنفسهم.
وقّعت مع هذه المدن عهداً أبدياً لا يسقط بمرور الزمن، أنا تعهدت بأن لا أتركها وحيدة وهي وعدتني أن تعود كما كانت، وتكتم غيظها ووجعها وعتبها على كل من أحبوها، في سورية دفنت صديقي، وأنجبت طفلي، لذلك لن تغادرني هذه الأرض هنا أصبح للموت والحياة طعم آخر.
في دمشق تدرك أن (هنا) لا تقال إلا لدمشق، لكن أينما كنت على هذه الأرض فإن كل مكان آخر هو هناك.وجدير بالذكر أن كتاب (عشرة كيلو مترات.. من الأرض) بصفحاته 445 ضم موضوعات وحقائق وجدانية خطتها الكاتبة بصدق قلمها ونبض قلبها بدءاً من بداية المشوار والإذاعة، وحمص في الذاكرة، وجسر الشغور القرار المر، وسجن حلب المركزي، ودير الزور، وأم الفوز امرأة بوجه مدينة، وعقارب الموت القادم من الشرق، وبندقية ومنسيون، خلف غبار الحرب، وإدلب تغريبة اشتبرق.
تقول في مقدمة الكتاب: لا شيء جميلاً في حروب الداخل، هذا الواقع اكتشفته في يوميات الحرب السورية عندما غاب عدونا عن الساحة ليصبح السوري يقاتل السوري وإلى جانبه يقاتل الليبي والأفغاني والتونسي والباكستاني والشيشاني والإيراني والتركي والروسي وغيرهم.. في زمن الحرب السورية رأيت جنوداً ينزفون حتى الموت شباباً يغادرون هذه الحياة وعيونهم لم تفقد بريق طفولتها الأولى متشبثين بحلم العودة إلى قرية تركوها في لحظة… حرب.
هناك يصبح المقاتلون مجرد أعداد، تغيب عن الأذهان أسماؤهم، ينسى الجميع أن لكل منهم عائلة وقصة لم تنته فصولها بعد، منهم من ترك امرأة وأطفالاً آخرون يحلمون بالعودة إلى حبيبة يأملون أنها ستبقى على ذكراهم، وجنود مجهولون تركوا متاع الدنيا من أجل الوطن، كلهم كانوا يحلمون بحياة أفضل لكن القدر حكم عليهم بالحرب في غير مكانها وزمانها.
وبعد أن انتهت الكاتبة الإعلامية أوغاريت دندش من الحديث عن تجربتها الأولى بالكتابة ومدى صدق مشاعرها بالتعبير بالكلمات عن أحداث عايشتها، أجابت على أسئلة الحضور المتنوعة.

رواد حسن

تصفح المزيد..
آخر الأخبار