إبــــرة وخـــيط لـــترقيع حـــال ونســج بــردة لعيــش كريــم

العدد: 9321 
27-3-2019

 

من خرم الإبرة ينشدون عيشهم وفي خيطها غرز لرتق ثوب حياة تكتسي به أسر وأولاد، نسج متين بقصص وحكايات عن قهر العجز والجوع والفقر، ليس فيها حياكة كلام ..
شغلت المشروعات الحرفية واليدوية والتراثية والزراعية والبيئية حيزاً واسعاً من اهتمام الناس، ولأجلها شيدت دورات تدريبية وتأهيل مهني بمبادرات مجتمعية وأهلية وبرامج التنمية الريفية وحتى الوحدات الإرشادية بغية تأمين فرص عمل ومصادر عيش، حتى بعضها قدم المنح التي جاءت على قروض صغيرة ومعدات ومستلزمات العمل، وهو ما دفع النساء لقصدها وتعلم مهنة الخياطة وتدوير اللباس القديم بدوامة هذا الزمان.
السيدة سناء_ مهجّرة فقدت معيل عائلتها في الحرب، فكانت أن قصدت جمعية تنظيم الأسرة التي ساعدتها وأولادها الصغار الذين شهدوا بأعينهم الجروح والآلام، وهناك تعلمت وابنتها مهنة الخياطة مع أنها تحمل الشهادات، لكنها عجزت وأفلست في تدبر أمر عيش الأولاد، وسرعان ما انكبت الخيوط بيدها وبدأت العمل على الماكينة تساعدها صغيرتها في أوقات فراغها، وكان عملها خفيفاً اقتصر في أغلب الأحيان على التصليح وما أكثره، ترقيع سراويل أولاد صغار وتركيب سحابات، والقص والتفصيل يبقى للفتيات اللواتي يرغبن بالفساتين وهذا جديد، وتقول: لم أفكر يوماً العمل بالخياطة فهو لا يشبهني، لكنها اليوم مصدر رزقي والحمد لله (ماشي الحال).
السيدة نوار_ كانت أن قصدت جارتها سناء والتقيناها فأشارت بأن أسرتها كبيرة ويجب عليها التحايل على الوضع المعيشي والاقتصادي لبيتها، حيث يصعب عليها شراء اللباس لأولادها الثلاث مرة واحدة فهي تعمل على الأمر بالتقسيط، كما أنها تقوم بتدوير ثياب الابن الكبير لأجل الصغيرين، وبذلك تتحاشى لومهما، ليكون فيها الجديد ومما ترغبه العين.
أما السيدة منى فقد أشارت بأنها تقصد محلات البالات لأجل أن تأتي ببعض قطع من اللباس (سراويل وجاكيتات وشورتات وقمصان..) لأجل الأب والأولاد وبأرخص الأثمان، حتى أنها ترى نفسها فنانة حيث تقص بعضها وتضيفه إلى قطعة أخرى بأشكال وألوان فيها بعض الحرفية لتكون بصورة مدهشة وجميلة، ومن تراها من الجارات تتعجب وتلح عليّ ببيعها وشراء غيرها، كما أني أحضر بلوزات صوفية من السوق لا يتجاوز سعرها مائتي ليرة سورية أحلّ خيوطها وأفكّها وأغسلها ثم ألفّها لتشكل خيوطها شللاً يتجاوز سعرها ألفين وثلاث مما تجدينه في السوق عند بائعي الصوف حيث سعر أقل شلة أو كبة يتجاوز ألف ليرة، أحيكها بالسنارة لأصنع منها ما أشاء، وقد أضيف بعضها على بلوزة القماش والسروال، إن في ذلك عيش كريم ووفرة والحمد لله، حتى أنه أفضل من أي وظيفة وأنا سعيدة وراضية بما وصلت إليه وشكراً لفريق دير مار يعقوب المقطع الذي أهداني لهذا العمل فأجدته.
أبو مهند _هي موهبة عندي منذ كنت صغيراً أفرط البنطال وأعيد خياطته كما أن أخوتي كن يدرسن في معهد الفنون النسوية وتعلمن الخياطة وأنا كنت أراقب ما يقمن به من أعمال، فتعلمت واشتريت ماكينة خياطة بثلاث آلاف ليرة ،وبدأت العمل خياط نسائي ولمع ذكري بفساتين السهرة والأعراس وكان فيها العز إذ وقتها كانت أم العروس وأخواتها يردن أن يلبسن (فستاناً لم تلبسه واحدة قبلها) وحتى اليوم تأتي الفقيرة قبل الغنية لأجل ذلك وقد يكلفها أكثر من 13ألف ليرة اليوم حتى عند خدمتي العسكرية كنت أخيط لرفاقي وأرثي بدلاتهم، أما حال اليوم فكل منا يمكن أن يسمى (ابن المقفع) فلا يحضر للمحل غير المغلوب على أمره والمسكين، من يرتي بنطاله أو (المشقف بدو يسكر عوراتو) وترقيع وتقصير وتوسيع وتضييق، انظري في المكان كل ما فيه بالة وعتيق يطلبون فيه المساعدة والتصليح، وهنا يأتي العمل بمائتي أو ثلاث مائة ليرة فقط لعمل فيه التعب والشقاء فبكرة الخيطان الصغيرة بالجملة 75ليرة ، وسابقاً كانت 10ليرات وإبرة الماكينة تتجاوز المائتي ليرة والسحاب كذلك وأقل متر قماش فوق الألف ليرة والدانتيل يتجاوز متره 200ليرة حسب الجودة ،كل ما تطلبينه كان موجوداً ورخيصاً وكله جودة وجمال، واليوم كلنا حالنا ضيقة وجميعهم ينشدون البالة لأجل ثياب لأهل بيتهم وفيها ما يناسبهم وأرخص الأسعار، حتى أن أكثر زبائن المحل هم من الطبقة الغنية ويترجلون من السيارات وتنبهري بمنظرهم وثيابهم ومصاغهم وتقعين في الوهم عندما يضعون أمامي كيساً كبيراً من الثياب التي يريدون مني تصليحها، ولا يأتيني عمل فيه تفصيل غير في العيد وهو قليل جداً، ابني صف سابع علمته ويجلس خلف ماكينة الخياطة ويقوم ببعض الأعمال البسيطة ..
يقطع حديثه عند دخول شاب وفتاة طلبت منه الجاكيت الجلدية التي وضعتها منذ يومين لأجل توسيعها وكان أبو مهند قد أضاف عليها جلداً طبيعياً لتكون على ما رغبت به الفتاة، كما استشاره الشاب في أمر جاكيت أخرى ينشد منها إصلاحاً وترميماً لاهتراء في الكتفين، ورد عليه في الحال و الحل بإضافة قطعة جديدة أو دانتيل وليس غيرهما، هذا وهو يقوم بفرد جاكيت الفتاة التي أعجبتها ونالت رضاها بألف ليرة فقط دفعتها مع الابتسام والشكر وبعدها كان منهما أن يخرجا المحل ونكمل الحديث..
في بعض الأحيان أملّ وأتعب وأنا مريض، لكن لديّ عائلة وأولاد ومتطلبات العيش كثيرة وعسيرة وراتبي الوظيفي لا يكفي، تجيرني وتنجدني ماكينتي هذه وشغلي يدوي ولاقدرة لي على شراء مولدة لأجل الكهرباء، أحافظ عليها وأصلحها إذا ما تعطلت وأعطالها بسيطة، عندي زبائن أعرفهم وبدون أن أخذ مقاسهم يمكنني أن أخيط لهم أثوابهم ، فأنا معروف بالحي والحمد لله لي سمعة طيبة .
أبو أحمد_ يتواشج صوت ماكينته مع صوت فيروز في الصباح وإلى المساء أم كلثوم، فيتماهى مع وقعها ويطرب وينسى العالم من حوله إلا من دخل خلوته وقرع باب دكانه يطلب منه قميصاً أو طقماً، ذاع صيته في حيّه وحواليه في تلك الأيام العامرة بالخير لكن سرعان ما انطفأت لمبة صالته التي لطالما توهجت حتى ساعات الفجر أيام الأعياد،واقتصر الناس عنه ليشتروا من المحلات الألبسة الجاهزة التي طغت بالموضة والجديد على الأسواق من صنع المعامل والماركات وبأرخص الأثمان يقول: (ارحموا امرأ ذلته الأيام) مهنة الخياطة كان لها عزها وأولاد جاهها أيام زمان، وزبائنها من أكابر القوم يلحقون بركب الموضة ومجلات تفصيلها وتفصيلاتها(كاتلوك) لتكون بأطقم وقمصان وتحلوها (الكرافة)، لكن للتطور ضريبة في الرفاهية والراحة حيث وصل الأمر بالجميع أن يشتري من السوق الألبسة الجاهزة والمستوردة، لكن منذ أن بدأت الحرب المشؤومة والعقوبات الاقتصادية التي أوصدت أبواب الاستيراد وقلت حيلة الناس، عكفوا على ما في خزاناتهم من أثواب، وأتوا بها إلى محلاتنا لإعادة صياغتها وتكوينها بحلة جديدة وارتدائها كقطعة جديدة.
أم نزيه_ جدة تبوح بما في خلدها لتقول: كانت مهنة منزلية ويجب أن تتقنها كل فتيات القرية ليجهزن بأنفسهن فستان العرس وما يلزمهن من رداء ولباس، حتى أن في (جهاز العروس) ومتطلباتها من عريسها إحضار ماكينة خياطة لتكون خياطة لأسرتها، تقص بعض القماش لتصنع منه بعض اللباس البسيط بغرض السترة وليس فيه عناصر فن وجمال، أو للترقيع وتهذيب الشكل والمقاس، أعمال بسيطة تغنيها عن قصد الخياط، وكان الولد الصغير يرتدي لباس أخيه الأكبر الذي ضاق عليه بعد أن شب وكبر، فيكون في ذلك أن الولد الكبير في العائلة هو من يلبس الجديد ليبكي الأصغر ويصيح في وجه والديه أنه مظلوم ولا يأتون له بشيء جديد (كلّو إلو) إلا في بعض الأحيان في العيد الكبير.

هدى سلوم 

 

 

السيدة أروى – خياطة نسائية
الخياطة بالنسبة لي ليست مجرد باب رزق فقط ، إنما فن وذوق ومن تريد الحصول على أجمل الموديلات والتفصيلات تقصدني، وبسبب ارتفاع الأسعار أو زيادة في الوعي، تحول الناس إلى بضاعة البالة أو إعادة تدوير الملابس القديمة والاستفادة منها . فمثلاً أصبحت أعمل على تحويل الفساتين الكبيرة إلى بلوز أو فساتين لفتيات صغيرات، وكذلك تصغير الملابس وتضييقها وإضافة بعض الحركات الجديدة عليها كنزع الأكمام ووضع الشيفون الملون مما يضفي على القطعة رونقاً جميلاً، ولا يمنع من وجود بعض الفتحات بإضافة الدانتيل المزركش لتتناسب مع الموضة، بهذا تتمكن العائلة الاستفادة من جميع القطع الموجودة ولبسها برونق جديد .
السيد مهند خياط رجالي :
الأزمة خلقت لدى الناس وعياً، كذلك الحاجة جعلتهم يلجؤون إلى الاستفادة من كل شيء قديم حتى الملابس، وهذه الحالة تطورت وانتشرت بسرعة حتى أصبحت موضة ، خف الرزق وقلت الخياطة بسبب ارتفاع سعر القماش والأوضاع المعيشية ولكن هذه الحركات البسيطة أعادت الروح والنشاط إلى محلي وأصبحتُ منشغلاً طوال النهار بتصليحة صغيرة هنا، وتركيب سحاب هناك، تقصير أو إضافة بعض اللصاقات الملونة أو القطع القماشية والحمد لله نحن نعيش وكذلك الناس يستفادون من ثيابهم خيراً من رميها في الحاويات.
وكذلك القطع السميكة نحولها إلى قطع صغيرة تستفيد منها سيدات البيوت في المطبخ.
الخياطة آمال:
بقليل من المجهود والصبر والتلاعب مع القماش يمكن إعادة صياغة الملابس وتنسيقها بدلاً من وضعها داخل الخزانة وإعادتها بشكل رائع يستفاد منها باقي أفراد العائلة .
السيدة رؤى ست بيت:
لم أعد أرمي أي قطعة من الملابس ، جارتنا خياطة بارعة جعلتنا نستفيد من كل شيء مثلاً تصغير وتقصير أو إضافة الألوان والقطع لتوسيعها وشك الخرز وإضافة الحجارة الصغيرة الملونة على الملابس، أيضاً فوط المطبخ وطاولات السفرة، وحولت لي بعض القمصان الرجالية إلى غطاء طاولة جميل جداً ما أروع أن تحول الأشياء القديمة إلى ما هو مفيد ورائع.
أخيراً: فن وذوق وخفة في الحركات لرفع القماش ودفعها بالأصابع تحت إبرة ماكينة الخياطة، وقطع قديمة لإعادة تدويرها وصياغتها بأروع الأشكال والألوان .

معينة أحمد جرعة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار