دعوة للقراءة .. كليلة ودمنة قصصٌ رافقت مراحل الطفولة وتراثٌ غني بمخزونه اللغوي والقيـّمي

العدد: 9321 
27-3-2019

من أوائل القصص التي رافقت مراحل طفولتنا – كليلة ودمنة – وكانت منبعاً لخيال واسع كان يساير حكايات ممتعة نجوب من خلالها الآفاق مع حوار شيّقٍ بين حيوانات نألفها ونتعاطف معها ونتعلم من خلالها منظومة من القيم الإيجابية ، والتي مثّلت بعد ذلك على الدوام خياراً للعديد من الكتاّب الذين رأوا في هذا النوع من القصص منهلاً يعينهم في كتابة نتاجهم الأدبي فالحيوانات لا تتكلم ، وإنما ينطقها الأدباء في كتبهم ليجد الناس في أحاديثهم عبرة ومنفعة ، ويستفيدوا منها في المواقف الحياتية التي تصادفهم. وفي – دعوتنا للقراءة – لهذا العدد نوجّه الاهتمام لإلقاء الضوء على هذا الكتاب القيّم الذي أغنى مكتباتنا وذاكرتنا بالعديد من القصص الجميلة والممتعة.

السيدة سلام عبود – ماجستير أدب عربي قالت عن الكتاب: كثيراً ما أستعين بهذا الكتاب في توضيح قضايا وآراء للطلبة الذين أقوم بتدريسهم وكذلك لأطفالي فهو غني بأفكاره ومخزونه اللغوي والقيّمي ويقدم لنا خيارات متنوعة لنتمثلها كنوع من المنظومات التربوية الهادفة.
وفي تعريفها للكتاب قالت السيدة عبود: يمكنُ تعريفُ كتاب كليلة ودمنة على أنَّه كتاب قصصيّ يحتوي مجموعة كبيرة من القصص الممتعة، وكان قد ترجمه إلى اللغة العربية الأديب الشهير ابن المقفع وأحسن صياغته بأسلوبٍ سلسٍ رشيق، ويتضمَّن كتاب كليلة ودمنة كماً كبيراً من الأمثال والحكم التي تمثل خلاصة آراء وفلاسفة القدماء، ويذم أفعال الشر ويُعلي من الفضائل والقيم المثلى . فكانت هذه القصص على لسان الحيوانات، حيث مثلت الحيوانات شخصيات هذا الكتاب بالكامل، وكان يدورُ بينها العديد من الأحداث. وهناك العديدُ من الشخصيّات البارزة التي وردت في كتاب كليلة ودمنة، وكان لكل شخصية من هذه الشخصيات الأثر البارز في القصص التي تناولتها أبوابه، ومن أبرز هذه الشخصيات الأسد الذي كان يمثل دور الملك في الغابة التي تدور فيها الأحداث، وكان هذا الملك يَتّخذ خادماً وهو حيوان الثور والذي يُدعى في الكتاب – شتربة – أمّا اسمُ كليلة ودمنة فهما اسمان لحيوانين من فصيلة ابن آوى واللذين ذُكرا في العديد من قصص هذا الكتاب فسُمّي الكتاب باسمهما، وهناك بعض الحيوانات الأخرى التي تنوعت أدوارها في قصص هذا الكتاب ومن أبرزها: الحمامة المطوقة، والبوم، والغراب، وابن عرس، والقرد، والجرذ، والغيلم، ومالك الحزين، والثعلب… حيث استخدم مؤلف هذا الكتاب هذه الشخصيات من أجل إيصال العديد من الرسائل في النواحي الأخلاقيّة والاجتماعية، وما ينعكس من ذلك على الحياة الواقعيّة في ذلك العصر .. ولكنها مازالت صالحة ومناسبة لكل زمان ومكان .
الصديق ثائر نجّوم – الصف السابع – قال: أحب هذا الكتاب وأستمتع بقراءة قصصه المفيدة، أما أجمل القصص فيه فهي قصة بعنوان – السمكات الثلاث – حيث تختصر التعريف بأصناف البشر وهم ثلاثة أنواع: مجتهد حريص يعمل بجدّ، والآخر متمهل يتأنى حتى إذا وقع الامتحان جدَ في تخليص نفسه في اللحظة الأخيرة. وأما الثالث: فعاجز، يضيع الأوقات في اللهو واللعب، وتقول القصة: زعموا أن غديراً كان فيه ثلاث سمكات، وكان ذلك المكان في منخفض من الأرض لا يكاد يقربه من الناس أحد، و ذات يوم مرَ صيادان على ذلك الغدير فتواعدا أن يرجعا إليه بشباكهما. فلما رأتهما السمكة الأولى وكانت سريعة البديهة، ارتابت بهما وتخوفت منهما فقفزت من مدخل الماء إلى النهر . وأما السمكة الثانية وكانت ذكية، فتلبثت حتى جاء الصيادان، فلما أبصرتهما قد سدا المخرج وعرفت الذي يريدان بها قالت: فرّطت وهذه عاقبة التفريط، فكيف الخلاص؟ ثم تظاهرت بالموت وجعلت تطفو على وجه الماء منقلبة، فأخذاها فألقياها على الأرض غير بعيدة من النهر، فوثبت فيه فنجت منهما . أما السمكة الثالثة وكانت عاجزة، فلم تزل في إقبال وإدبار حتى صاداها .
الصديقة يارا محمد – الصف السادس قالت: تعلمنا في المدرسة بعضاً من دروس القراءة والتي كانت تتضمن حكايات جميلة من هذا الكتاب الممتع، وقد أتممت قراءة جميع قصصه في العطلة الصيفية الماضية . أما أجمل القصص عندي فهي قصة – الثعلب والطبل – وهي تتحدث عمن يغر الناس بمنظره وهيئته، فإذا داخله بخلاف ظاهره، وتقول القصة: زعموا أن ثعلباً جائعاً مرَ بأجمةٍ فيها طبل معلق، فهبت الريح فجعلت أغصان الشجرة تقرع الطبل فيصدر صوتاً شديداً . فسمع الثعلب ذلك الصوت، فتوجه إليه حتى أتاه، فلما رآه ضخماً ظن أن ذلك لكثرة شحمه ولحمه . فعالجه حتى شقه . فلما رآه أجوف قال: ما أدري، لعل أقل الأشياء فائدة أضخمها جثة وأشدها صوتاً .
بقي للقول: كتاب – كليلة ودمنة – ليس مجرد سرد لحكايات على ألسنة حيوانات وهميّة، بل هو تراث غني بالمواقف والأحداث يمكن الاعتماد عليه في بناء منظومة من القيم الإيجابية من خلال قصص وحكايات خاصة بالأطفال، تحتوي على العديد من العبر والدروس المرتبطة بالجانب القيّمي والسلوك الأخلاقي، بأسلوب شيّق وممتع على لسان حيوانات محببة وقريبة من أطفالنا وهذا هو السر في بقاء ذلك النوع من الكتابة وامتدادها حتى يومنا هذا كواحدٍ من الأجناس الأدبية الراسخة والمتأصلة في وجدان كل القراء على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم المعرفية والاجتماعية .

فدوى مقوص

تصفح المزيد..
آخر الأخبار