الوحدة 16-5-2022
بعض الناس تنمو أجسادهم وتصغر وتضمحل عقولهم، الأنانية.. الخنوع لعشق الذات البائس وتضخم الأنا الفردية، ذات تعشق نفسها حتى الثمالة دون الالتفات إلى الآخر، والأناني مصاب بداء الهلوسة والعظمة الكاذبة، المرض الذي يحجبه عن رؤية الآخرين وجميع الناس صفر على شمال أرقامه، يعيش مع أوهام لا تلامس الواقع، تدير رأسه وتملؤه بالغرور ويظل أسير هذه الرؤية الضيقة، فكيف يمكنه الخروج من جلده..؟!. الأناني متعصب لفكرته تعصب الوثني لجلال صنمه، يتوارى في أصداء خطاه كحصان ساقه الذعر إلى جهة قصية ويستكين محاصراً تحت وطأته، يسير في موكب هذيانه المحموم وهو يسمع رعوداً في فضاء نفسه ويتحطم قلبه على صخرة المنفعة الشخصية يبحث عن مصالحه مع العالم من حوله يطالب بحقوقه دائماً ويهرب من واجباته ويعلق مشكلاته على مشاجب الغير دوماً، وحين شبعت معدته الخاوية بطر لؤماً وقبحاً وتحول إلى جاحد ناقم ناكر للمعروف وأهله، ويتمنى أن يكون الثور في حظيرة البقرات، وأن يجعل ديكه صياحاً على مزابل المنطقة كلها وليس على مزبلته فقط وكأنه نسي أن الآخرين تختلف نظرتهم للأمور عن نظرته إليها.. فكيف يكتمل من فيه نقص..؟!. طموح الأناني لا يدركه حد، أصبغت عليه شرنقة الأنا ويعشق ذاته ويركبه الكبرياء وسيادة منطق التهميش والإقصاء والإلغاء لديه، يريد وضع القوانين على مقاسه لتلبية رغباته ولا يوافق إلا على ما يتخم أناه حين تتضخم وتتورم، ونزعة الأنا والجشع تهيمن على الكثيرين في سبيل الحصول على موطن قدم هنا وكرسي هناك ولا يهم على أكتاف من يرتقي، والبعض يتماهى مع المكانة التي وصل إليها من منصب تسلق إليه بأساليب ملتوية وقفز إلى مكانة اجتماعية مرموقة لم يكن يحلم بها أغرقت عليه احترام الآخرين. أصعب الحروب حرب الإنسان مع نفسه، الأنانية قناع زائف للعلاقات الإنسانية الهشة الملوثة، ما أسهل أن يسوس الناس، وما أصعب أن يسوس نفسه، وما أكثر الناس الذين استطاعوا أن يحكموا غيرهم وعجزوا عن حكم أنفسهم.. بعض الكتّاب ينظرون إلى الأدب كمرآة تعكس صورتهم فقط، يجعلون من الكتابة مطية للشهرة وتثبيت صوابية ذاتهم، يقولون بلسانهم ما لا يحسوه بقلوبهم ويمدحون أنفسهم دون أن يدركوا البون الشاسع بين الأنا الصافية والذات المتوذمة. صورتنا الذاتية تعتمد على ما يراه الآخرون فينا.. الأنانية مرض نفسي بحاجة إلى علاج، الأناني عليه تهوية أفق الرؤية وتوسيع تضيق مجاري فكره وفتح ذهنه على جميع الجهات ليحصل على التهوية المناسبة الكافية كي لا يصيبه التعفن والتجرثم.
نعمان إبراهيم حميشة