الكلمة المزهرة

الوحدة:4-4-2022

الكلمة المزهرة صلة وصل بين الضمير والثقافة الواعية تسعى للارتقاء بالعقل والفكر والحياة، تسيل من قلب مترع بالقيم العليا والأهداف النبيلة وتعبر جميع البوابات المغلقة لتصل إلى النفوس وتلامس شغاف الروح، وبعض المفردات تستقر في النفس البشرية ويطمح الإنسان إلى تحقيقها والدفاع عنها ولو كلفه ذلك الكثير من الجهد والمال.

الكلمة باب متعرج للوصول إلى الشيء ونقيضه.. إلى الصمت والبوح في آن، ينبلج فجر الكلمات الأبيض عندما تتكثف حرارة اللغة لحظة التيقظ والانفتاح في جسد الشاعر ثم تتدفق اللغة الشاعرية على الشفاه.

كم أدمت الأقلام قلوب أصحابها، والأقلام التي أرضعوها حبر أرواحهم تحولت إلى رماح في خاصرتهم، وذلك حين تنحبس أطنان الكلمات وتختنق داخلنا دون أن تدرك سبيلاً إلى الخروج من تلافيف عقولنا.

الكلمة الزاهرة فعل خلاّق للعقل، ألفاظ أنيقة رشيقة صادقة تختزن كثافة العاطفة والحب بعيدة عن أي خلفية خبيثة، ألفاظ رشيقة لها صوت كوسوسة الحلي في أيدي الحسان، تشبه حبات اللؤلؤ في عقد منظوم تشدنا بتفاصيلها المغرية إلى اليقين القطعي متجاوزة متاهات الأسئلة والأجوبة وشطحات الخيال، كلمات ذات فضاءات وإيمائية فنية عالية الحس والمستوى تقرع أجراس المعاني وهي تساهم في استلهام حيوات أخرى عديدة ضمن ذات الحياة الواحدة لإنتاج واقع أكثر صفاء ونقاء، وكما يقولون: (القلوب المحبة أفسح من أي قصر).

الكلمة العفنة لغو وهراء كالصراخ الضائع في الفضاء، وساوس وأفكار غامضة وتهويمات فارغة لا معنى لها قريبة من السواد، وتصورات رديئة تقع تحت بند الخيالات العقيمة والسقيمة والحشو الزائد في الكلام الذي لا نفع له، والذي يتحول إلى كتل هلامية ورخويات لغوية وثرثرة عابرة لا معنى لها، كمن يقف ضمن قالب محدد لا يغادره ويتحول إلى اليباس والجمود والموت.

على الرغم من الإصدارات الشعرية الكثيرة التي تمثل في أكثر الأحيان تراكماً كمياً وتكراراً بليداً لصور مطروقة كثيراً أو تهويمات في اللا معنى لا يمكن فك شيفرتها ولو استعنا بجيش من المفسرين.

الأديب الناجح صاحب مخيلة متوهجة خلاّقة خبيرة بتفجير اللغة لتخرج الكلمات القابعة في زاوية معتمة من مكامنها وأوكارها، مفتوحة على سديم شاسع وفضاء محير من الصور والتصورات في أبهى قوامها وترفها، كاتب يجري وراء الأفكار الجميلة المضنية مهمته امتشاق القلم لمعانقة الكلمات واصطياد الأفكار لينساب الحبر على السطور ويتفتح الزنبق الأبيض من الكلمات وأسرار السحر تنفث معانيها، كاتب لا يلتمس قهر الكلام واغتصاب المعاني ولا تعابير تخدش الحياء والذوق العام، وهل أجمل من هذا الوصف وأصدق من هذا القول: (كانت جمجمته تتكسر كإناء من البلور) ..؟! الواقع منجم للكلمات لا يشيخ، الربيع لا يزهر في الصحراء، لابد من البحث عن السر الكامن في الكلمات وفك طلاسم المخفي بين السطور والنبش في زوايا الحياة لجعلها ذات جدوى.

نعمان إبراهيم حميشة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار