الوحدة : 11-3-2022
في سياق النشاطات الأسبوعيّة للجمعيّة العلميّة التّاريخيّة أقامت الجمعيّة محاضرة ثقافية بعنوان : ( التراث الشعبي في محافظة اللاذقية ) ألقاها السيد نبيل عجمية. بدايةً قدم الشاعر محمد صالح إبراهيم كلمة ترحيبية بالحضور تناول فيها أهمية التراث الشعبي في ذاكرة وتاريخ الشعوب والأمم، منوهاً بجمال تراثنا الشعبي المحلي ما يجعله جديراً بالاحترام والقراءة و إعادته مجدداً إلى نصوص جميلة مدروسة جيداً من شأنها الحفاظ على أصالتنا. ثم قدم السيد نبيل عجمية محاضرته مؤكداً على أهمية الأدب الشعبي في ذاكرة الشعوب، و لابد من الاهتمام به لما له من دور في رسم طريق واضح الأهداف لمستقبل أفضل. و أشار السيد عجمية إلى تداول هذا النوع من الأدب بشكل شفهي عبر العصور وتوارثه جيلاً بعد جيل، ليشمل الفنون جميعها من الحكايا والأغاني الشعبية والشعر الشعبي الجميل، كما يشمل على الفكاهات والنوادر والأمثال الشعبية الشائعة، منوهاً بأن الأدب الشعبي لا يستند إلى فرد بعينه بل هو نتاج إبداعي جماهيري تشاركي ويلزم إعادة إنتاجه موافقة عامة في تعديل صورته وتهذيبها لصياغته بما يناسب الذوق العام
والوجدان الجمعي، فهو انعكاس لسمات الأدب الشعبي الذي يكتب غالباً بلغة فصحى أقرب إلى العامية مشبعة باللهجة المحلية الملامسة لشعور كل فرد. واستعرض المحاضر صوراً من الماضي بكلمات مؤثرة يشدها الحنين إلى أصوات منبعثة من الديار والساحات تحمل رائحة التراب والحقول المغمورة بالندى وبشعر السنابل عبر لغة الحكاية، وتلك الجدة الماهرة في جلب النوم للصغار عبر حكايات مفيدة وقدرتها على التعبير عن الحياة وكأنها تستمد صوتها من تموجات الجبل والنهر والبحر والسهول الممتدة إلى السماء وتحت أضواء الفوانيس الخافتة لينام الأطفال تحت اغطية الصوف الباردة مستسلمين لصوت الحكاية الآتي من زمن بعيد، زمن كان يا مكان. ورأى المحاضر أن الأدب الشعبي أشبه بالضوء المتوهج في سراج الذاكرة، ففي أطراف البيوت الطينية تبدو خابية الماء حزينة في تلك الزاوية وقد جف ماؤها ونمت على أطرافها طحالب الزمن فلم تعد صالحة للشرب، وحوض النعنع الذي آل إلى اليباس وأصبح أثراً بعد عين، بعد أن كانت رائحته تفوح في أرجاء المنزل ليملأ عبقها الحارة، ونبتة الحبق خمدت رائحتها بعد أن ذبلت أوراقها وتخلت عنها تلك الصبية العاشقة، فالمنزل العتيق لم يكن طيّ النيسان بل كل ما فيه من أشجار و أزهار وجرار ماء وصور الأقدمين وكأن النسيان يشهد حفلةً جماعية، وكذلك غرف المؤونة والتبن وعلف الدواب وساحة الدار و طاقات الحمام الثلاثة فوق العتبة الحجرية، فلم يعد لذكريات الطفولة أثرٌ ، تصدعت جدران المنزل العتيق احتجاجاً على قلة الوفاء ونمت بين الشقوق نباتات غريبة وعششت خلايا الدبابير بين حجارته المتصدعة وكأنها تعتذر عن نكران الجميل لهذا البيت الذي كان دافئاً بعلاقات أسرية جميلة وصاخباً بضحكات الكبار والصغار. وعرج المحاضر على ذكريات الأدب الشعبي مثل تعلم أولاد الحارة القرآن عند الخطيب التي كانت عصاه تقف بالمرصاد يستعين بها لتسريع عملية التدريس المتبعة آنذاك كي يتفرغ لصف آخر لديه، ورغم قساوة الطريقة تخرج التلاميذ بلغة سليمة، وتحدث كذلك عن اجتماع أهل القرية أو الحارة عند الراوي ليروي لهم السير الشعبية ويلقي الأشعار للاستدلال، ليفرح الناس بانتصار أبطالها وتتجهّم وجوههم لدرجة البكاء عندما يذكر الراوي الملمات التي تعرض لها أولئك الأبطال في الأيام الخوالي.
ازدهار علي