الوحدة : 11-3-2022
يشهد المثقفون بأن عمق خطاباتهم في الواقع وتقويم الأدوار المختلفة يحفل بالعديد من مفردات الفشل و الإحباط و الاستلاب فضلاً عن مصطلحات الكارثة و الصدمة و الخيانة ، و هذا الواقع الذي يُوصف بالهزال المعرفي و الوجودي لا يُسأل عنه الآخرون وحدهم من مقامات و مراتب بل يطال ذلك المُثقفون بالدرجة الأولى بقدر ما هو محصلة أفكارهم و أوهامهم عن الذات و المجتمع أو حتى نتيجة محصلة مشاريعهم الافتراضية في التعاطي مع روحية الواقع و محاولات تغييره ، و يمكن القول : إن النقاش الدائر حول قضية الفكر و أزمته يعني كل مثقف على وجه العموم. فالمثقفون اليوم في أزمة كبيرة بسبب أنماط أفكارهم و نماذجهم في العمل و التعبير و رغباتهم في التغيير و أيضاً سجالاتهم الحامية حول أغلب قضايا الساعة. و كذلك شؤون المجتمع برمته و هوامش الحريات و حتى طبيعة و نمط علاقتهم بكل دوائر القرار ، و يرى بعض أهل الفكر من وجهة نظرهم بأنه لم يعد يكفي أبداً معياراً للصدق و المصداقية أن يُعلن المُثقف أو المُفكر أنه مع الحرية و الديمقراطية فالأولى و الأجدر به أن يُعيد النظر في مدى علاقته و قناعته بشتى مفاهيم الحرية و السلطة و الحقيقة بدلاً من الاستبداد برأيه و بالناس من خلال تنصيب نفسه وصياً على الحريات و الحقوق ، و قد علّمت التجارب بأنه لا أحد يُحرر الآخر بل الفرد يتحرر بقدر ما يصنع حقيقته و يُشكل كيانه و لوحة مداه الوجودي عبر الإبداع و الابتكار. لا يُعتبر هدف النقد مهما كان قاسياً و عنيفاً هو الطعن و التجريح على جملة الانتقادات التي تتناول قضية أهل الفكر و الثقافة و مواقفهم المتباينة و تموضعهم المُغاير فالنقد هو اشتغال على الذات و الفكر و الواقع لمُغادرة حالة العجز و اليقظة من السبات العميق و ذلك بإعادة طرح الأسئلة و صوغ المشكلات أو تفنيد المقولات وصولاً لتجاوز طبيعة الأسئلة غير المُنتجة أو فضح الثنائيات المزيفة و الخادعة أو تفكيك الأجهزة القاصرة و تعرية المقولات الضيقة و هكذا فالنقد هو امتلاك لإمكانات وجودية جديدة تُتيح للمُفكر أو المُثقف إعادة ترتيب علاقات القوة بينه و بين الآخرين و ذلك لفهم ما يستعصي على الفهم.
د.بشار عيسى