الوحدة : 29-9-2021
ما إن وضعت الحرب أوزارها حتى استعادت الدراما السورية ألقها وحضورها، وعادت لتثبت وجودها على الشاشات المحليّة والعربية، وتحقيق نسب مشاهدةٍ عالية، رغم ما شهدته خلال سنيّ الحرب من ابتعاد نجوم صفّها الأوائل عنها، واتجاههم نحو الأعمال العربية المشتركة واضطرار بعضهم إلى التخلّي عن أدوار البطولة المطلقة، ورضاهم بالأدوار الثانوية منها بغضّ النظر عن الجودة والرّداءة النوعية نصّاً وإخراجاً وإنتاجاً.. إصراراً منهم على البقاء في الساحة الفنية بأيّ طريقةٍ كانت. لكن بالمقابل كانت هناك محاولات إبداعية حققت نجاحاً باهراً وساحقاً، منها على سبيل المثال لا الحصر: بانتظار الياسمين- الندم- عناية مشددة- ضبّوا الشناتي- سنعود بعد قليل- شوق… عشرات المسلسلات الدرامية السورية سلّطت الضوء على مساحاتٍ واسعة من الألم والأسى والحزن الذي عاشه السوريون طوال سنيّ الحرب العجاف. بعضها صوّر الواقع كما هو، ونقل حقائقه وأحداثه بمصداقيةٍ وإبداعٍ فائقين، وبعضها الآخر قولب مجريات الأحداث وأضفى عليها لمساتٍ كوميدية سوداء، فكان النتاج مضحكاً مبكياً في آن.. كم من دمعةٍ ذُرفت؟ وكم من آهٍ اخترق صداها ثنايا الروح؟ وكم من ابتسامةٍ أخفت وراءها ألف دمعةٍ؟ وكم وكم…؟ دراما الحرب السورية حافظت على مجدها الأول، ولئن غصّت هنا، وترنّحت هناك، لكنّها بقيت متربّعةً على عرش الدراما العربية، حتى إنّ بعض الأعمال أقلّ ما توصف به أنها ملاحم درامية، أيقوناتٌ حطّمت أسوار الحرب والحصار، طبّبت جراحات الناس، وداوت آلامهم، وأوقفت نزيف قلوبهم.. فكانت المرآة التي عكست وجوه البؤساء والفقراء والأشقياء، والمتسلّطين والمتنفّذين والأغنياء من أمراء الحرب وصعاليكها. لم يخفت وهجها يوماً ولم يأفل بريقها أبداً، ولئن استندت على الأعمال العربية المشتركة أحياناً كعكّازٍ لشابّ ألمّت به انتكاسةٌ ومرضٌ، فما استسلم ولم ولن يستسلم.. اليوم تعود الروح شيئاً فشيئاً إلى درامانا المتألّقة، ويسري النسغ في عروقها، معلنةً تعافيها وشفاءها، شاكرةً كلّ مَن لم يتخلّ عنها من أبنائها، وكلّ مَن ساندها ودعمها في محنتها، لتبقى في مصافِ الدرجة الأولى دون منازعٍ ولا منافس، تُرى أيّ مشهد ينتظره عشاقها قريباً، يُنسيهم مرارة الحرب وظلماتها؟ وهل نشهد ولادةً طبيعيةً جديدة لمواليد أصحّاء درامياً وفنّياً؟
ريم جبيلي