الوحدة :27-9-2021
السلوك العدواني أو عدم الانضباط بات ظاهرة ملموسة في الحياة المدرسية بمختلف مراحلها الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وقد تعددت النظريات بشأن عدوانية الأطفال والمراهقين، فبعضها يلقي اللوم على التربية المنزلية، في حين يرجع آخرون هذا الأمر إلى البيئة المحيطة، حيث يبدأ الطفل بالتعامل مع الآخرين بالعنف الشديد سواء عن طريق الإيذاء النفسي أو الجسدي أو حتى اللفظي، لكن، بالتأكيد توجد أسباب وعوامل كثيرة تؤدي إلى اكتساب الطفل سلوك العدوانية تجاه الآخرين فما هي هذه الأسباب؟ وكيف تكون طرق العلاج؟
الإجابة على هذه التساؤلات وردت من خلال دراسة تربوية حديثة، حيث أكد الطبيب النفسي كينيث شور في كتابه (حل مشكلات الانضباط في المرحلة الابتدائية): الطالب الذي يسبب القلق والخوف لزملائه يستحق الاهتمام، لأن سلوكه يدل على أنه طفل مثقل بالمشكلات، مما يجعله منبوذاً بين أقرانه، الأمر الذي قد يزيد من عدائيته.
أما أهم الأسباب التي تؤدي إلى هذا السلوك، فقد أشارت الدراسة إلى أن الأطفال العدائيين يمثلون تحدياً حقيقياً فهم يثيرون الإزعاج لبقية زملائهم داخل الصفوف المدرسية وخارجها في أوقات الاستراحة أو الانصراف، وتعد هذه العدائية نذيراً لظهور مشكلات في حياة هذا الطفل خلال مرحلتي البلوغ والمراهقة، وعزت الدراسة الأسباب إلى الظروف الحياتية الصعبة التي تلعب دوراً لا يستهان به في تحويل الحياة المدرسية إلى كابوس بالنسبة لمن يعيش في الأصل أوضاعاً حرجة كأن يعاني من الفقر أو اليتم، أو عاهة، أو من السمنة وغير ذلك من الأمور، وقد تتجاوز كمية العنف الكلام لتصل إلى الفعل، إذ لا يتوانى بعض المتسلطين عن تأليف (شلة) مهمتها التربص بتلميذ يمكن تصنيفه في خانة الضحية.
وأكد اختصاصيو التربية في هذه الدراسة أن أسباب وقوع الأطفال ضحايا العنف تعود إلى عوامل عدة، أبرزها تغير نمط الحياة، فوسائل الرفاهية الزائدة التي أصبح الأهل يوفرونها للطفل بسخاء، والتي غالباً ما تكون مقرونة بالحماية المبالغ بها تضر بمناعة الطفل النفسية وصلابة شخصيته وتحد من قدرته على مواجهة الحياة. وأشارت الدراسة أن من يرتكب العنف تجاه هذه النماذج الطفولية قد يكون الولد الوحيد والمدلل على رأس القائمة لأنه تعود تأمين متطلباته بشكل مبالغ فيه، ليتحول إلى كائن أناني لا يتورع عن أذية رفاقه دون أي شعور بالندم، كذلك يشكل التلميذ الفاشل في دراسته نموذجاً للعنف لأن التقصير المدرسي يؤدي غالباً إلى احتمالات العدوانية والمشاغبة وإلحاق الأذى بالتلميذ الهادئ والمجتهد.
أما عن كيفية المعالجة، فقد نصحت الدراسة باتباع أساليب متنوعة منها: معرفة وضع الطفل الذي يقبل بالتحول إلى ضحية عنف، كذلك معرفة وضع الطفل العنيف الذي يعتدي على رفاقه، وذلك من خلال دراسة متأنية لأوضاع النموذجين والاطلاع على المستوى الثقافي والاقتصادي والاجتماعي للبيئة، حيث يعيش كل منهما لضبط مؤشرات كل ما يتعلق بهما في المستقبل، واللافت أن علاج الحالتين يتشابه ويتقاطع، ويتطلب تنمية مواهب الطفل ليشعر بقيمته ويعبر عن وجوده بشكل مغاير في محيطه من خلال مساعدته على التأقلم والتخلص من الشعور بالنبذ أو القبول بالتخلي عن صفات السلطة والترهيب التي تصنع له هالته، ومن هذه الوسائل اكتشاف مواهبه الفنية أو الرياضية أو الفكرية وإشراكه في نشاطات المدرسة من خلال المعارض والمباريات وما شابه.
وينصح المرشدون الاجتماعيون في هذه الدراسة بأن تعالج حالة كل طالب بمعزل عن الآخر، وبطلب المساعدة من والديه لتحسين أجواء المنزل، وعدم تعريضه لمشاهد العنف داخل الأسرة أو التي تقدم على شاشة التلفزيون والكمبيوتر وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، ويشددون على أن تعبير المحيطين بالطفل عن محبتهم له، وإشعاره بأن رفضهم موجه لتصرفاته غير الصحيحة، وليس إليه شخصياً، كفيل دائماً بجعله يتخطى سلوكه الخاطئ.
فدوى مقوص