ما بين (هون وهونيك).. نكون أو لا نكون

الوحدة: 22- 9- 2021

 

ضمن الجدلية الأزلية التي تتقاذف هذا الإنسان بين ضفتي الخير والشر، يتصارع الزمن مع واقعه وآماله وآلامه، ينثر الأهواء المتعددة من رغبات وطموحات وانكسارات وفرح حصته قليلة وقلية جداً بالقياس…

ماذا يبقى من هذا الإنسان ضمن هذه البوتقة الصعبة وخاصة ضمن جغرافية لم تعرف إلا الحروب والمؤامرات والإخفاق، وماذا يبقى لهذه الروح كي تحيا بما يليق بإنسانيتها.

(هون وهونيك) عمل مسرحي يفتح الأبواب على مصراعيها ضمن مكاشفة صادقة لواقع مؤلم، قيد الأحلام بسلاسل المستحيل، وصار الأمل في دروبه كوناً من الأحزان والعقبات.

بين (هون وهونيك) يمسك مجداف هذه الروح بكل ما يستطيع ويرميها على قارعة الشواطئ البائسة، وتبقى معها تلك الجدلية على تعداد موجها بين هنا وهناك.

على مسرح دار الأسد باللاذقية وضمن مهرجان أليسار المسرحي بدورته الثانية، قدمت فرقة أليسار المسرحية عملها (هون وهونيك)، النص من تأليف الفنان مجد يونس أحمد ومن إخراج أوس غدير، ساعده في الإخراج حسين مهنا وخالد حسن.

النص مرآة حقيقة لأوجاع الشباب وصراعاته الداخلية والخارجية مع بيئتها، صراع الحقيقة مع الزيف وصراع الحب مع البقاء وصراع الكرامة والطموح والآمال مع زمن الحياة القصير، للشباب الذي يحمل بداخله كل طاقات الإبداع والجمال الذي يبدأ بالانكسار عند عتبات نظم العيش من فكر وقياس ومورثات  وأعراف وتقاليد تراكم عند الأجيال الفتية من شباب وشابات تحولهم إلى صورة هشة تتنازعها كل مقدرات العقل وحيويته في صراعه مع البقاء والطموح لبقاء أفضل فهل نكون أو لا نكون هذا هو السؤال الذي طرحته هذه المسرحية ضمن نص نفسي معقد يصل إلى عبثية بمفردات عميقة الدلائل وأداء متقن مميز لكادر من الشباب الجامعيين الذين أدوا شخصياتهم ببراعة وهم: (حسين يوسف- عدي بدور- أنجلينا الحرك- ليلى ابراهيم- أوس غدير- زين شاهين- عبود حيدر- يوسف كوسا).

حول ما طرحته المسرحية من فلسفة نفسية جدلية كان لنا هذه الحوارات السريعة مع بعض من صناع العمل..

 أوس غدير مخرج العمل

– ماهي المساحة التي استطعت أن تتحرك بها لإخراج عمل اليوم، وخاصة أنه نص جدلي فلسفي نفسي، لتترجم صراع الفكر والروح مع الواقع؟

كإخراج هذه التجربة الإخراجية الأولى لي، وأنا ممثل قبل أن أكون مخرجاً، هذا أعطاني الخبرة لكيفية التحرك وبناء الشخصيات للممثلين، وأنا لدي ميول إخراجية استطعت أن أترجمها ضمن مقولات الشخصيات، هذا النص من النوع العبثي، نص صعب، بالبداية أصابني الخوف عندما قرأته، لكن بالعمل الدؤوب والذي استمر لأشهر من أجل إظهار الشخصيات المطلوبة بدقتها وحرفيتها وليلتحم النص مع الإخراج الذي له دور كبير في تحريك أدوات العمل، أتمنى أن أكون قد وفقت في إيصال رسالتي التي تحكي حال الشابات والشباب السوري ضمن هذا الواقع الصعب، خاصة أن العمل يحمل أكثر من رسالة، أولها الزمن وفكرة الصراع مع الوقت أي الحياة ببعدها الزمني والمادي، والذي يطابق فكرة المقولة (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك)، ورسالة أخرى تلتحم  مع الأولى هي نحن – نحن، أم نحن غير نحن، فأنا كشاب لدي عالم مليء بالأحلام والطموحات التي اصطدمت ومازال تصطدم بالواقع بين ما يجب أن أكون وما يحقق رغبات الأهل والمحيطين ضمن موروثات الكثير منها صعب الفكاك عنها، أتمنى أن  نكون قد وفقنا في إظهار الصورة الحقيقة و الفنية على المسرح من إضاءة وديكور وصوت ضمن الإمكانيات الضعيفة المتاحة للمسرح وأدواته.

– الأداء التمثيلي لشخصيات العمل كان مميز اًو حرفياً، كيف طوعت إخراج النص إلى شخصياته بفنية لافتة؟

احترام العمل والجدية لإيصال الفكرة والحوارات وخاصة أنني أحب المسرح وهو حلمي دائماً، لذلك كرّست كل أدواتي وخبرتي بشفافية مطلقة لإظهار الصورة اللائقة للعمل، مع العلم أنه كان معنا اليوم شباب مثلوا لأول مرة على خشبة المسرح وكان أداؤهم مميزاً فعلاً ضمن الإمكانيات المسرحية الصعبة المتوفرة.

– كانت المسرحية مرآة لواقعنا الحالي المؤلم والذي يشكل حالياً ضغطاً نفسياً هائلاً، برأيك هل يستطيع هذا الجمهور السوري أن يتحمل جرعة ألم إضافية على خشبة مسرحه؟

بالحقيقة لا يتحمل جمهورنا أي جرعة مؤلمة إضافية، وأنا من الناس الذين أبحث عن الفرح في كل عمل أراه للهرب من هذه الضغوط المحيطة، ولكن ربما كان التحام عرض اليوم  مع مشاكلنا وآلامنا وهذا ما تقدمه التراجيديا لتوصل رسالتها.

– تفاعل الجمهور كان تفاعلاً صادقاً ومميزاً، وكأنه شارك معكم صرخاتكم، كيف تقيّم جمهور هذا العرض اليوم؟

الجمهور هو القاضي والحكم الذي يحكم على هذا العمل وخاصة أنه جمهور من كافة الأعمار والمستويات، وأنا أؤمن بأن الصدق في العمل لابد أن يصل للجمهور المتلقي، هذا ما حاولنا اليوم لإيصال أفكار العرض بشفافية وهذا الذي جعل الجمهور اليوم يتفاعل معنا بهذه الدرجة.

حسين لقمان يوسف

– دورك اليوم كان دوراُ صعباً ليس للنص المطروح إنما للذات مع الجدل الأزلي  للإنسان وصراعه مع البقاء، أنت كشاب سوري ماهي المسافة بين التمثيل وبينك فيما طرحته اليوم؟

النص فعلاُ كان صعباً لأنه يطرح التناقضات التي تنتج مع اصطدام طموحات الشباب عند وصولهم عتبة الحياة والزمن المتسارع الذي يسبقنا دائماً، هذا الصراع الصعب ما بين الحياة والموت بما تحمله هذه النفس من صراع عقلي وهواجس وأحلام لتحولنا إلى هياكل مهزومة ومهزوزة، كل هذا تحمله فئات الشباب التي تصل إلى مرحلة الهروب ومحاولة السفر الهارب عندما لا يبقى شيء يخسره، وهو الذي أوصل شخصية شاب هذا العرض اليوم والعديد من الشباب بواقعه الحالي إلى ضياع وتشتت وفي حالات إلى الجنون، وطبعاً هذا ما لا أتمناه أبداً لي أو لغيري من الشباب.

– هل كان عرض اليوم للجمهور هو حالة تنفيس عن ضغوطاته أم التحام معه؟ وهل يستطيع هذا الجمهور تحمل جرعة إضافية من الوجع، وهل هذا توقيت مناسب لذلك؟

أنا كشاب سوري عندما أرى ركناً او مكاناً أو أي فضاء يتكلم بشفافية عن آلامي وأحلامي وصراعاتي العقلية والروحية سوف ألتصق به وأحاكيه لأن ما طرحه هذا العمل اليوم هو مقولة كل من حولي من شباب وشابات أصدقاء وغير أصدقاء والأهم هو حالي أيضا معهم، والمسرح هذا هو دوره بتجسيد قضايانا وآلامنا وأحلامنا ضمن مقولة على خشبته؟

– إذا أردنا تحييد الجانب التمثيلي، وبين مقولة العمل المتكررة بين هل أنا – أنا ونحن أم نحن غير نحن،  ما هو حجم الهم والوجع بين أنت كشاب وبين أنت على خشبة المسرح؟

أستطيع أن أقول إنني كنت أنا الحقيقي بنسبة ٧٠% ضمن مقولات وهواجس هذا النص، أتمنى الفرج للشباب السوري ولمجتمعنا بكافة أطيافه، كما أتمنى أن أكون قد وفقت فيما قدمناه اليوم.

أنجلينا الحرك

دوري في هذا العمل دور الشابة والتي تتواجد ضمن مجتمع بكل ما يحمله من  نظم حياة وموروثات والذي يحاكي فيه  الأهل والأقارب والزملاء  مع ما يحملونه من آراء فكرية ونفسية حالة جدل تقوم بينها وبين هذا المحيط، فالشخصية تطرح الصراعات الروحية والنفسية والعقلية الذي تصارعه المرأة الشابة عندما تريد أن تكون هي بذاتها بأحلامها وعواطفها وآمالها فتصطدم مع كل ما يحمله هذا المجتمع من أفكار محطمة للأمل يضاف إليها الظروف الصعبة المفروضة التي يعيشها الجميع في هذا المجتمع، لتصير من هذه الشابة شخصية هشة لا تستطيع تطوير نفسها وإثبات ذاتها وقدراتها يمازج هذه الظروف الحب والعواطف التي تعيشها والتي تنكسر عند الموروثات والضغوط المجتمعية والمادية لينتهي هذا الحب عند عتبات السفر الهارب.

ليلى إبراهيم

دوري في هذا العمل المسرحي هو الوجه الحقيقي للشابة انجلينا الحرك وهو الصراع الفكري الذي تعيشه هذه الشخصية وما تتحمله بداخلها والذي لا يراه المجتمع، هذه المكنونات والدواخل التي لا تستطيع إظهارها إلى العلن فكنت اليوم لسان حال هذه الشابة التي تمثل شابات هذا العصر في هذا المجتمع الذي لا يشرع لها المثير من الأحلام والآمال والأحاسيس لتحولها إلى  كتلة من الصمت الذي  يجعلها تصاب بالإحباطات المتتالية وانكسارها، إنها صورة للشابة التي تصطدم مع عقلية لا تريد للأنثى أن تكون، أتمنى أن أكون قد وفقت بإيصال الشخصية كما يجب، كما أتمنى لكل الشابات في سورية والعالم أن يوصلوا أصواتهم وأحلامهم ويحققن ما يأملن.

يوسف جميل كوسا

– دورك كان الجانب الثاني الذاتي للشاب الذي ينوي الشفر، هذه الجدلية المطروحة اليوم وعبر تاريخ البشرية وانتصار الشر، كيف طوعت خبايا الروح على خشبة المسرح؟

أنا جسدت في هذا العمل شخصية الفكر الداخلي وصراعاته  ضمن جدل نفسي وروحي يصطدم مع واقع صعب يجردنا من كل أسلحتنا مع لعبة الزمن الذي يصادر كل شيء حتى أحلامنا، الوقت الذي يسرق كل طموح عندما يصطدم بعقبات شرسة حتى يغدو فيه الفكر يحاول الهروب من كل شيء حتى من الحب، وهذا الصراع الذي يعيشه الإنسان عموماً وحساباته المتشابكة مع أفكاره التي توصله لمرحلة الانفجار والجنون، هذه الجدلية الصعبة مع واقع أشد صعوبة يحيل الإنسان فيها بلا روح ويقترب فيها من الموت الحقيقي.

– أنت كشاب، لو أبعدتك عن شخصيتك التي أديتها اليوم، بين أنت وأنت أين كنت وأين ممكن أن تكون؟

هذه الظروف القاهرة الصعبة التي جعلت من أحلامنا آمالاً مؤجلة تصارع الوقت، وقد أحلم بشيء وأصبح شخصاً آخر بعد مدة، تغيرنا الظروف كثيراً مهما كنا أقوياء  والكثير من الأحلام الجميلة ماتت مع أصحابها، لكن الأمل باق وهو قانون بشري يمدنا حتى في حالات اليأس بإصرار وعزيمة نحاول أن نمسك ونتمسك بهما دائماً، فنحن نرى ونسمع عن تفوق الشباب السوري أينما كان لأننا نحمل في أعماقنا وفكرنا طائر الفينيق الذي يحيا دائماً بعد كل احتراق، يولد من جديد، وأنا مؤمن بقدرات الشباب والمجتمع السوري بكل أطيافه وبقدرته على الخلق والانتصار على الذات رغم ما يحيط بنا من ألم ووجع، أتمنى لكل الشباب الذي أتمناه لنفسي، لنكون نحن – نحن ولا أحد آخر، ولنبني ما نطمح إليه.

سلمى حلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار