الوحدة: 21-9-2021 http://youtu.be/S8g6xc4PE-w
هكذا هو الإنسان، كائن نشيط، لا يستسلم، يمتلك خاصيّة متفرّدة بين المخلوقات، يتناغم مع الطبيعة بأوجهها المتعدّدة، حيث يجعلها أداة طائعة في أغلب الأوقات، بالمقابل هي تحب من يقدّرها ويلامس واقعها وما وهبها الله لخدمة المخلوقات وأهمها الإنسان، لكن غضبها يكمن بصمتها وسكوتها، والجفاف والحرارة المرتفعة والحرائق هي أنموذج لذلك الصمت وما يخفي خلفه، العام المنصرم نفّذ الجفاف أحد حلقات الانحباس المطري وبالتالي لعنة الطبيعة على كافة المخلوقات، بالتوازي مع حرارة مرتفعة وحرائق ضربت مساحات كبيرة من الغابات والأشجار الحراجية المتناثرة على أكتاف جبال عالية لا تطالها الأيدِ، ومع ذلك صعدت إليها جحافل النيران ولهبها من كافة الاتجاهات، لوّنت تفاصيلها بالسواد، فكان ذلك درساً قاسياً لقّنته لعنة الطبيعة للغطاء النباتي ومن يعيش حوله حيوانات وكائنات أخرى، وقد كان لبني البشر نصيبهم من ذلك الغضب، فضربت غلاله الزراعية المتعدّدة بشكل عنيف، ليكون هذا درساً أبدياً لجميع المخلوقات.

لكن نحن الآن بوارد الاتجاه الآخر لتلك الطبيعة وتوءمتها وتلاحمها مع الفلاحين الذين يقع على عاتقهم تأمين مستلزمات عائلاتهم، فالقسوة التي طالت فصول السنة الماضية كان لها أثر رجعي بالنسبة للفلاحين الذين يعيشون على خيرات الطبيعة، فكان لا بد لهم من تغيير نمط الحصول على رزقهم ومعيشتهم بسبب الضعف الذي حلّ بأراضيهم، فعمدوا إلى الهروب العكسي بعد أن هجرتهم سُبل الحياة الزراعية من خلال النزول باتجاه المياه التي هجرت حُقولهم، وخير مثال على هذا الفعل والعرف هم أهالي القرى التي تعيش على ضفاف سد ١٦ تشرين، كقرى القرامة والبهلولية ومزارعها والسفكون والزوبار ووطا الخان والقرجالة وغيرهم، فبعد الجفاف الذي طال الشريط الساحلي فقد تحتّم على المعنيين بالموارد المائية الضغط على مخازين السد، لسدّ الفراغ والجفاف الذي طال القنوات الخاصة بالري وتعويض النقص، وهذا الأمر أدّى إلى انحسار المياه من جوانب وجسم السد، تاركاً في سريره تربة خصبة غضّة هي مستخلص طبيعي من كافة العناصر الضرورية في عمليات الزراعة بكافة أنواعها، وهي في توسّع مضطرد، وهنا قام أغلب الفلاحين بزراعة حيازات صغيرة في تلك المناطق الخصبة متنوعة المحاصيل، ليصبح المكان شبه سلّة زراعية متكاملة تُزرع فيها أنواع كثيرة من الخضراوات الحقلية وأهمها: الباذنجان والفاصولية واللوبية وكذلك الفليفلة والبندورة بأنواعها والخيار، وقد أخذت زراعة التبغ تنتشر هي الأخرى في تلك المناطق وهي ذات جودة عالية، وقد عزّز تلك الزراعات المَسيل المائي لنهر الكبير الشمالي حيث لا زال يقدّم للفلاحين روح زراعاتهم من خلال مياهه المختالة بين تلك الحيازات المؤقتة، لتبقى روح الحياة موجودة حتى وإن تاهت مياه الري، ليكون ذلك المكان المخيف (عند الغمر) مصدراً للعيش والّلقمة الهنية لتلك الطبقة المقاتلة المكافحة.
سليمان حسين